قال الليث بن سعد إنما صحت الحجة في هذه القصة لآدم على موسى عليهما السلام من أجل أن الله تعالى قد غفر لآدم خطيئته وتاب عليه، فلم يكن لموسى أن يعيره بخطيئة قد غفرها الله تعالى له ؛ ولذلك قال آدم : أنت موسى الذي آتاك الله التوراة، وفيها علم كل شيء، فوجدت فيها أن الله قد قدّر عليّ المعصية، وقدّر علي التوبة منها، وأسقط بذلك اللوم عني أفتلومني أنت والله لا يلومني ؛ وبمثل هذا احتج ابن عمر على الذي قال له : إن عثمان فرّ يوم أحد ؛ فقال ابن عمر : ما على عثمان ذنب ؛ لأن الله تعالى قد عفا عنه بقوله :"وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ".
وقد قيل : إن آدم عليه السلام أب وليس تعييره من برّه أن لو كان مما يعيّر به غيره ؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول في الأبوين الكافرين :﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً ﴾ [ لقمان : ١٥ ] ولهذا إن إبراهيم عليه السلام لما قال له أبوه وهو كافر :﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهجرني مَلِيّاً قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ ﴾ [ مريم : ٤٦ ٤٧ ] فكيف بأبٍ هو نبيّ قد اجتباه ربه وتاب عليه وهدى.
الرابعة : وأما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة، فإن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدّر الله علي ذلك ؛ والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه.
الخامسة : قوله تعالى :﴿ فغوى ﴾ أي ففسد عليه عيشه، حكاه النقاش واختاره القشيري.
وسمعت شيخنا الأستاذ المقرىء أبا جعفر القرطبي يقول :﴿ فغوى ﴾ ففسد عيشه بنزوله إلى الدنيا ؛ والغيّ الفساد ؛ وهو تأويل حسن، وهو أولى من تأويل من يقول :"فغوى" معناه ضلّ ؛ من الغيّ الذي هو ضد الرشد.
وقيل : معناه جهل موضع رشده ؛ أي جهل أن تلك الشجرة هي التي نهي عنها ؛ والغيّ الجهل.