فصل


قال الفخر :
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾
اعلم أن على أول هذه الآية سؤالاً وهو أن قوله :﴿اهبطا﴾، إما أن يكون خطاباً مع شخصين أو أكثر فإن كان خطاباً لشخصين فكيف قال بعده :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى﴾ وهو خطاب الجمع وإن كان خطاباً لأكثر من شخصين فكيف قال :﴿اهبطا﴾ وذكروا في جوابه وجوهاً : أحدها : قال أبو مسلم : الخطاب لآدم ومعه ذريته ولإبليس ومعه ذريته فلكونهما جنسين صح قوله :﴿اهبطا﴾ ولأجل اشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة صح قوله :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم﴾ قال صاحب "الكشاف" : لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصلا للبشر والسبب اللذين منهما تفرعوا جعلا كأنهما البشر أنفسهم فخوطبا مخاطبتهم فقال :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم﴾ على لفظ الجماعة، أما قوله :﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ فقال القاضي : يكفي في توفية هذا الظاهر حقه أن يكون إبليس والشياطين أعداء للناس والناس أعداء لهم، فإذا انضاف إلى ذلك عداوة بعض الفريقين لبعض لم يمتنع دخوله في الكلام، وقوله :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّي هُدًى فَمَنِ اتبع هُدَايَ﴾ فيه دلالة على أن المراد الذرية، وقد اختلفوا في المراد بالهدى، فقال بعضهم : الرسل وبعضهم قال : الآخر والأدلة وبعضهم قال القرآن، والتحقيق أن الهدى عبارة عن الدلالة فيدخل فيه كل ذلك، وفي قوله :﴿فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى﴾ دلالة على أن المراد بالهدى الذي ضمن الله على اتباعه ذلك اتباع الأدلة، واتباعها لا يتكامل إلا بأن يستدل بها وبأن يعمل بها، ومن هذا حاله فقد ضمن الله تعالى له أن لا يضل ولا يشقى، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
وثانيها : لا يضل ولا يشقى في الآخرة لأنه تعالى يهديه إلى الجنة ويمكنه فيها.


الصفحة التالية
Icon