ولما تضمن هذا أنهم لم يعدوا شيئاً من هذه البينات - التي أدلى بها على من تقدمه - آية مكابرة، استحقوا الإنكار، فقال :﴿أولم﴾ أي ألم يأتهم من الآيات في هذا القرآن مما خصصتك به من الأحكام والحكم في أبلغ المعاني بأرشق النظوم ما أعجز بلغاءهم، وأبكم فصحاءهم، فدل قطعاً على أنه كلامي، أو لم ﴿تأتهم بينة ما﴾ أي الأخبار التي ﴿في الصحف الأولى﴾ من صحف إبراهيم وموسى وعيسى وداود عليهم السلام في التوارة والإنجيل والزبور وغير ذلك من الكتب الإلهية كقصتي آدم وموسى المذكورتين في هذه السورة وغيرهما مما تقدم قصة لها كما هي عند أهلها على وجوه لا يعلمها إلا قليل من حذاقهم من غير أن يخالط عالماً منهم أو من غيرهم، ومن غير أن يقدر أحد منهم على معارضة ما أتى به في قصتها من النظم المنتج قطعاً أنه لا معلم له إلا الله المرسل له، وأن أتى به منها شاهد لما في الصحف الأولى من ذلك بالصدق، لأنه كلام الله، فهو بينة على غيره لإعجازه، فجميع الكتب الإلهية مفتقرة إلى شهادته افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة، ولا افتقار له بعد العجز عنه إلى شيء أصلاً، فهو أعظم من آيات جميع الأنبياء اللاتي يطلبون مثلها بما لا يقايس.
ولما تبين بذلك أنهم يطعنون بما لا شبهة لهم فيه أصلاً، أتبعه ما كان لهم فيه نوع شبهة لو وقع، فقال عاطفاً على ﴿ولولا كلمة﴾ :﴿ولو أنا أهلكناهم﴾ معاملة لهم في عصيانهم بما يقتضيه مقام العظمة ﴿بعذاب من قبله﴾ أي من قبل هذا القرآن المذكور في الآية الماضية وما قاربها، وفي قوله ﴿ولا تعجل بالقرآن﴾ صريحاً، وكذا في مبنى السورة ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ ﴿لقالوا﴾ يوم القيامة :﴿ربنا﴾ يا من هو متصف بالإحسان إلينا ﴿لولا﴾ أي هلا ولم لا ﴿أرسلت﴾ ودلوا على عظمته وعلو رتبته بحرف الغاية فقالوا :﴿إلينا رسولاً﴾ أي يأمرنا بطاعتك ﴿فنتبع﴾ أي فيتسبب عنه أن نتبع ﴿آياتك﴾ التي يجيئنا بها.


الصفحة التالية