ولما كان اتباعهم لا يستغرق زمان القبل قالوا :﴿من قبل أن نذل﴾ بالعذاب هذا الذل ﴿ونخزى﴾ بالمعاصي التي عملناها على جهل هذا الخري فلأجل ذلك أرسلناك إليهم وأقمنا بك حجة عليهم، ونحن نترفق بهم، ونكشف عن قلوب من شئنا منهم ما عليها من الرين بما ننزل من الذكر ونجدد من الآيات حتى نصدق أمرك ونعلي شأنك ونكثر أتباعك وننصر أشياعك.
ولما علم بهذا أن إيمانهم كالمتنع، وجدالهم لا ينقطع، بل إن جاءهم الهدى طعنوا فيه، وإن عذبوا قبله تظلموا، كان كأنه قيل : فما الذي أفعل معهم؟ فقال :﴿قل كل﴾ أي مني ومنكم ﴿متربص﴾ أي منتظر حسن عاقبة أمره ودوائر الزمان على عدوه ﴿فتربصوا﴾ فإنكم كالبهائم ليس لكم تأمل، ولا تجوزون الجائز إلا عند وقوعه ﴿فستعلمون﴾ أي عما قريب بوعد لا خلف فيه عند كشف الغطاء ﴿من أصحاب الصراط﴾ أي الطريق الواضح الواسع ﴿السويّ﴾ أي الذي لا عوج فيه ولا نتوّ، فهو من شأنه أن يوصل إلى المقاصد.
ولما كان صاحب الشيء قد لا يكون عالماً بالشيء ولا عاملاً بما يعلم منه، قال ﴿ومن اهتدى﴾ أي من الضلالة فحصل على جميع ما ينفعه واجتنب جميع ما يضره، نحن أم أنتم؟ ولقد علموا يقيناً ذلك يوم فتح مكة المشرفة، واشتد اغتباطهم بالإسلام، ودخلوا رغبة في الحلم والكرم، ورهبة من السيف والنقم، وكتنوا بعد ذلك يعجبون من توقفهم عنه ونفرتهم منه، وهذا معناه أنه ـ ﷺ ـ ومن اتبعه هم السعداء الأغنياء الراضون في الدنيا والآخرة، وهو عين قوله تعالى :﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ فقد انطبق الآخر على الأول، ودل على أن العظيم يعامل بالحلم فلا يعجل - والله أعلم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٥٨ ـ ٦٢﴾