اعلم أنه تعالى لما بين أن من أعرض عن ذكره كيف يحشر يوم القيامة أتبعه بما يعتبر [ به ] المكلف من الأحوال الواقعة في الدنيا بمن كذب الرسل فقال :﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ والقراءة العامة أفلم يهد بالياء المعجمة من تحت وفاعله هو قوله :﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ قال القفال : جعل كثرة ما أهلك من القرون مبيناً لهم، كما جعل مثل ذلك واعظاً لهم وزاجراً، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي أفلم نهد لهم بالنون، قال الزجاج : يعني أفلم نبين لهم بياناً يهتدون به لو تدبروا وتفكروا، وأما قوله :﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ فالمراد به المبالغة في كثرة من أهلكه الله تعالى من القرون الماضية وأراد بقوله :﴿يَمْشُونَ فِى مساكنهم﴾ أن قريشاً يشاهدون تلك الآيات العظيمة الدالة على ما كانوا عليه من النعم، وما حل بهم من ضروب الهلاك، وللمشاهدة في ذلك من الاعتبار ما ليس لغيره، وبين أن في تلك الآيات آيات لأولى النهى، أي لأهل العقول والأقرب أن للنهية مزية على العقل، والنهي لا يقال إلا فيمن له عقل ينتهي به عن القبائح، كما أن لقولنا : أولو العزم مزية على أولو الحزم، فلذلك قال بعضهم : أهل الورع وأهل التقوى، ثم بين تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلاً على من كذب وكفر بمحمد ﷺ فقال :﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ وفيه تقديم وتأخير، والتقدير : ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاماً، ولا شبهة في أن الكلمة هي إخبار الله تعالى ملائكته وكتبه في اللوح المحفوظ، أن أمته عليه السلام وإن كذبوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما يفعل بغيرهم من الاستئصال، واختلفوا فيما لأجله لم يفعل ذلك بأمة محمد ﷺ، قال بعضهم : لأنه علم أن فيهم من يؤمن، وقال آخرون : علم أن في نسلهم من يؤمن ولو أنزل بهم العذاب لعمهم الهلاك، وقال آخرون : المصلحة فيه خفية لا


الصفحة التالية
Icon