وقال القرطبى :
" وَلاَ تَمُدَّنَّ " أبلغ من لا تنظرنّ، لأن الذي يمدّ بصره، إنما يحمله على ذلك حرص مقترن، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه.
مسألة : قال بعض الناس : سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو رافع مولى رسول الله ﷺ، قال : نزل ضيف برسول الله ﷺ، فأرسلني عليه السلام إلى رجل من اليهود، وقال : قل له يقول لك محمد :" نزل بنا ضيف ولم يُلْفَ عندنا بعضُ الذي يصلحه ؛ فبعني كذا وكذا من الدقيق، أو أسلفني إلى هلال رجب فقال : لا، إلا برهن.
قال : فرجعت إلى رسول الله ﷺ فأخبرته فقال :"والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأدّيت إليه اذهب بدِرْعي إليه" "
ونزلت الآية تعزية له عن الدنيا.
قال ابن عطية : وهذا معترض أن يكون سبباً ؛ لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي ﷺ ؛ لأنه مات ودِرعه مرهونة عند يهودي بهذه القصة التي ذكرت ؛ وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها، وذلك أن الله تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل، ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم، والصبر على أقوالهم، والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا ؛ إذ ذلك منصرم عنهم صائر إلى خِزي.
قلت : وكذلك ما روي عنه عليه السلام أنه مرّ بإبل بني المصطلق وقد عَبِست في أبوالها ( وأبعارها ) من السِّمن فتقنّع بثوبه ثم مضى ؛ لقوله عز وجل :﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ ﴾ الآية.
ثم سَلاَّه فقال :﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى ﴾ أي ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا أولى ؛ لأنه يبقى والدنيا تفنى.
وقيل : يعني بهذا الرزق ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم.


الصفحة التالية
Icon