فنجازيكم بحسبها "وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا" يا سيد الرسل "إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً" كأبي جهل وجماعته من رءوس الكفر، لأنهم كانوا إذا مرّوا به صلّى اللّه عليه وسلم يضحكون ويقولون هذا نبي بني عبد مناف ويقول بعضهم لبعض "أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ" أي يذمها، والذكر يطلق على المدح والذم "وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ" ٣٦ أي كيف يستهزئون بك إذ تستهزء بأصنامهم وهم أحق أن يستهزىء بهم، لأنك تعبد الخالق وهم يعبدون ما يخلقون، ونزلت فيهم هذه الآية.
قال تعالى "خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ" العجلة طلب الشيء قبل
أوانه، وهو من مقتضيات الشهوة، فلذلك صارت مذمومة حتى قيل العجلة من الشيطان، والقاعدة الشرعية : من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، قال القائل :
لا تعجلن لأمر أنت طالبه فقلما يدرك المطلوب ذو العجل
فذو التأني مصيب في مقاصده وذو التعجل لا يخلو من الزلل
فالإنسان لقلة صبره وفرط استعجاله جعل كأنه مخلوق من العجلة، لأنه يكثر منها، والعرب تقول لكثير الكرم خلق من الكرم "سَأُرِيكُمْ آياتِي" التي تطلبونها أيها الناس "فَلا تَسْتَعْجِلُونِ" ٣٧ نزولها وذلك أنهم كانوا يقولون لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم هات ما توعدنا به من العذاب أدع ربك فلينزله علينا، فأجابهم اللّه بأنه لا بد من إنزاله بكم، ولكن لم يحن بعد أجله القدر له "وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ" ٣٨ في قولكم يا محمد ويكررون هذه المقالة له على طريق السّخرية والاستهزاء بوعده، وهذا هو الاستعجال المذموم الذي أوعدهم اللّه سوء عاقبته، راجع الآية ٤٨ من سورة يونس المارة.


الصفحة التالية
Icon