كلا بل هم المغلوبون، والغلبة للّه ولرسوله وللمؤمنين، راجع الآية ٨ من سورة المنافقين في ج ٣، وهذا الاستفهام إنكاري جوابه النفي، وكيف لا يكونون غالبين وهم حزب اللّه الذي لا زال غالبا من قبل للرسل وأتباعهم، فلأن يكون الغلب لخاتم الرسل وأتباعه من باب أولى.
ولهذا البحث صلة في الآية ٤٤ من سورة الرعد الآتية ج ٣، وقد مرّ له بحث في
الآية ٨ من سورة المؤمن والآية ٧٥ من الصافات فراجعها.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن النقص الواقع بطرفي الأرض من جهة قطبيها الشمالي والجنوبي، وهو أيضا من الإخبار بالغيب، إذ لم يكن أحد في عهد نزول القرآن يعلم ذلك، صدق اللّه العظيم (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ) الآية ٣٨ من سورة الأنعام المارة، قيل كان ابن الجوزي يدرس في جامع دمشق في هذه الآية فقال له رجل هل في القرآن ما يدل على أن فأرة حملت عصا بذنبها وتريد أن تدخل جحرها معها ؟
قال نعم في قوله تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً...
وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) الآية ٢٥ من سورة النحل المارة، رحمه اللّه ما أدق فكره، راجع الآية المذكورة في سورة الأنعام المارة، والآية ٢٣ في سورة الشورى المارتين "قُلْ" لهم يا سيد الرسل "إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ" المنزل عليّ من ربي لا بما تتفوّهون به من السحر والشعر والكهانة وغيرها من الأمور الثمانية المارة من الآية ٥ من هذه السورة "وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ" ٤٥ يخوفون ولكنهم بمعزل عن السماع ولأنهم لا يسمعون مطلقا، وإنما قال بالوحي ليعلمهم أن إنذاره مقتصر على الإخبار الإلهي لا باقتراح الآيات لأنه مزاحم للحكمة التكوينية والتشريعية، ولأن الإيمان برهاني لا عياني.