"إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ" لعابديها لم يتعرض له، وهذا أولى من عود الضمير لنفس الأصنام، إذ لو كان لها كما مشى عليه بعض المفسرين لقال كبيرها ويؤيده أيضا قوله "لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ" ٥٨ فيسألونه عمن كسرها لأنه بقي صحيحا وآلة التكسير في عنقه، قالوا كانت اثنتين وسبعين صنما منها من ذهب ومنها من فضة ومن نحاس وصفر وحديد وخشب وحجر وطين، فلما رجعوا من عيدهم ودخلوا على البهو رأوا ما هالهم "قالُوا" صائحين بلسان واحد "مَنْ فَعَلَ هذا
بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ"
٥٩ في جرأته هذه المؤدية لإهلاكه "قالُوا" الذين سمعوا صياحهم وسمعوا قبل قسم إبراهيم على كيدها "سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ" بسوء ويعيبهم ويسخر بهم "يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ" ٦٠
فأوصلوا الخبر إلى النمروذ وملائه فأجمع رأيهم على جلبه واستنطاقه أولا ولهذا "قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ" ٦١ على اعترافه بذلك لئلا يقول الناس إنه أخذ بغير ذنب وقتل بغير بينة، فأتوا به ثم له "قالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ" ٦٢ ولما ذا "قالَ" ما فعلت شيئا وقصد غير تكسيرها وما عملت شيئا يسخط اللّه فيها "بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا" ففهموا من كلامه هذا أن الذي كسرها هو الصنم الكبير المشار إليه من قبل إبراهيم، وقد وقف بعضهم على (بل فعله)، ثم ابتدأ فقرأ (كبيرهم هذا) إلخ يريد بذلك عود الضمير على إبراهيم تخلصا من الكذب، ووقف بعضهم على هذا، وأراد أي هذا قولي فاسألوهم إلخ لأجل التخلص من الكذب أيضا، والحال أن الكذب للمصلحة جائز من النبي وغيره إذا كان هناك محذور كما هنا، فلا حاجة للوقفين اللذين لم يردهما إبراهيم نفسه، أي إنما كسرها كبيرهم بسبب غضبه عليكم، لأنكم تعبدون الصغار معه وتساوونها به وهو أكبر منها، فكرهن ليستقل بعبادتكم.


الصفحة التالية
Icon