وقال الشيخ سيد قطب :
التعريف بالسورة
هذه السورة، مكية تعالج الموضوع الرئيسي الذي تعالجه السور المكية.. موضوع العقيدة.. تعالجه في ميادينه الكبيرة: ميادين التوحيد، والرسالة والبعث.
وسياق السورة يعالج ذلك الموضوع بعرض النواميس الكونية الكبرى وربط العقيدة بها. فالعقيدة جزءمن بناء هذا الكون، يسير على نواميسه الكبرى ; وهي تقوم على الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض، وعلى الجد الذي تدبر به السموات والأرض، وليست لعبا ولا باطلا، كما أن هذا الكون لم يخلق لعبا، ولم يشب خلقه باطل:(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين)..
ومن ثم يجول بالناس.. بقلوبهم وأبصارهم وأفكارهم.. بين مجالي الكون الكبرى: السماء والأرض. الرواسي والفجاج. الليل والنهار. الشمس والقمر... موجها أنظارهم إلى وحدة النواميس التي تحكمها وتصرفها، وإلى دلالة هذه الوحدة على وحدة الخالق المدبر، والمالك الذي لا شريك له في الملك، كما أنه لا شريك له في الخلق.. (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)..
ثم يوجه مداركهم إلى وحدة النواميس التي تحكم الحياة في هذه الأرض، وإلى وحدة مصدر الحياة: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)وإلى وحدة النهاية التي ينتهي إليها الأحياء: (كل نفس ذائقة الموت).. وإلى وحدة المصير الذي إليه ينتهون: (وإلينا ترجعون)..
والعقيدة وثيقة الارتباط بتلك النواميس الكونية الكبرى. فهي واحدة كذلك وإن تعدد الرسل على مدار الزمان:(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).. وقد اقتضت مشيئة الله أن يكون الرسل كلهم من البشر: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم)..