وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾
قال عبد الله بن مسعود : الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول، وهنّ من تلادي ؛ يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن كالمال التّلاد.
وروي أن رجلاً من أصحاب رسول الله ﷺ كان يبني جداراً، فمرّ به آخر في يوم نزول هذه السورة، فقال الذي كان يبني الجدار : ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال الآخر : نزل ﴿ اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ فنفض يده من البنيان، وقال : والله لا بنيت أبداً وقد اقترب الحساب.
"اقترب" أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم.
"للناس" قال ابن عباس : المراد بالناس هاهنا المشركون بدليل قوله تعالى :﴿ إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ إلى قوله :﴿ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾.
وقيل : الناس عموم وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ؛ يدل على ذلك ما بعد من الآيات ؛ ومن عَلِم اقتراب الساعة قصر أمله، وطابت نفسه بالتوبة، ولم يركن إلى الدنيا، فكأنّ ما كان لم يكن إذا ذهب، وكل آتٍ قريب، والموت لا محالة آتٍ ؛ وموت كل إنسان قيام ساعته ؛ والقيامة أيضاً قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى.
وقال الضحاك : معنى ﴿ اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ أي عذابهم يعني أهل مكة ؛ لأنهم استبطأوا ما وُعِدوا به من العذاب تكذيباً، وكان قتلهم يوم بَدْر.
النحاس : ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للناس ؛ لئلا يتقدّم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوي به التأخير.
﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ ابتداء خبر.
ويجوز النصب في غير القرآن على الحال.
وفيه وجهان : أحدهما :"وهم فِي غفلةٍ معرِضون" يعني بالدنيا عن الآخرة.
الثاني : عن التأهب للحساب وعما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon