وقيل : يشتغلون ؛ فإن حُمِل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين : أحدهما : بلذاتهم.
الثاني : بسماع ما يتلى عليهم.
وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يتشاغلون به وجهين : أحدهما : بالدنيا لأنها لعب ؛ كما قال الله تعالى :﴿ إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾ [ محمد : ٣٦ ].
الثاني : يتشاغلون بالقَدْح فيه، والاعتراض عليه.
قال الحسن : كلما جدّد لهم الذكر استمروا على الجهل.
وقيل : يستمعون القرآن مستهزئين.
قوله تعالى :﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ أي ساهيةً قلوبهم، معرضةً عن ذكر الله، متشاغلةً عن التأمل والتفهم ؛ من قول العرب : لَهَيْتُ عن ذكر الشيء إذا تركتَه وسلوتَ عنه أَلْهَى لهِيًّا ولِهْيَاناً.
و"لاهيةً" نعت تقدّم الاسم، ومن حق النعت أن يتبع المنعوت في جميع الإعراب، فإذا تقدّم النعت الاسم انتصب كقوله :﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ ﴾ [ القلم : ٤٣ ] و﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا ﴾ [ الإنسان : ١٤ ] و﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ قال الشاعر :
لِعَزَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ...
يَلُوحُ كَأنَّه خَلَلُ
أراد : طلل موحش.
وأجاز الكسائي والفراء "لاَهِيَةٌ قُلُوبُهُمْ" بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية.
وأجاز غيرهما الرفع على أن يكون خبراً بعد خبر وعلى إضمار مبتدأ.
وقال الكسائي : ويجوز أن يكون المعنى ؛ إلا استمعوه لاهية قلوبهم.
﴿ وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ ﴾ أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب، ثم بين من هم فقال :﴿ الذين ظَلَمُواْ ﴾ أي الذين أشركوا ؛ ف"الذين ظلموا" بدل من الواو في "أسروا" وهو عائد على الناس المتقدّم ذكرهم ؛ ولا يوقف على هذا القول على "النجوى".
قال المبرّد وهو كقولك : إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله فبنو بدل من الواو في انطلقوا.
وقيل : هو رفع على الذم، أي هم الذين ظلموا.