لكن المذكور في عامة المعتبرات الكلامية أن أكثرهم ينفي الصراط وجميعهم ينفي الميزان ولم يتعرض فيها لنفيهم الحساب، والحق أن الحساب بمعنى المجازاة مما لا ينكره إلا المشركون ﴿ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ ﴾ أي في غفلة عظيمة وجهالة فخيمة عنه، وقيل الأولى التعميم أي في غفلة تامة وجهالة عامة من توحيده تعالى والإيمان بكتبه ورسله عليهم السلام ووقوع الحساب ووجود الثواب والعقاب وسائر ما جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والتسليم، وذكر غفلتهم عن ذلك عقيب بيان اقتراب الحساب لا يقتضي قصر الغفلة عليه فإن وقوع تأسفهم وندامتهم وظهور أثر جهلهم وحماقتهم لما كان مما يقع في يوم الحساب كان سبباً للتعقيب المذكور انتهى.
وقد يقال : إن ظاهر التعقيب يقتضي ذلك، ومن غفل عن مجازاة الله تعالى له المراد من الحساب صدر منه كل ضلالة وركب متن كل جهالة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبراً لهم وقوله سبحانه :﴿ مُّعْرِضُونَ ﴾ أي عن الآيات والنذر الناطقة بذلك الداعية إلى الإيمان به المنجي من المهالك خبر بعد خبر، واجتماع الغفلة والإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسىء ولذا إذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا إلى آخر ما قال.


الصفحة التالية
Icon