وحاصله يتضمن دفع التنافي بين الغفلة التي هي عدم التنبه والإعراض الذي يكون من المتنبه بأن الغفلة عن الحساب في أول أمرهم والإعراض بعد قرع عصا الإنذار أو بأن الغفلة عن الحساب والإعراض عن التفكر في عاقبتهم وأمر خاتمتهم، وفي "الكشف" أراد أن حالهم المستمرة الغفلة عن مقتضى الأدلة العقلية ثم إذا عاضدتها الأدلة السمعية وأرشدوا لطريق النظر أعرضوا، وفيه بيان فائدة إيراد الأول جملة ظرفية لما في حرف الظرف من الدلالة على التمكن وإيراد الثاني وصفاً منتقلاً دالاً على نوع تجدد، ومنه يظهر ضعف الحمل على أن الظرفية حال من الضمير المستكن في ﴿ مُّعْرِضُونَ ﴾ قدمت عليه انتهى.
ولا يخفى أن القول باقتضاء العقول أنه لا بد من الجزاء لا يتسنى إلا على القول بالحسن والقبح العقليين والأشاعرة ينكرون ذلك أشد الإنكار، وقال بعض الأفاضل : يمكن أن يحمل الإعراض على الاتساع كما في قوله
: عطاء فتى تمكن في المعالي...
وأعرض في المعالي واستطالا
وذكره بعض المفسرين في قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا نجاكم إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ] فيكون المعنى وهم متسعون في الغفلة مفرطون فيها.
ويمكن أيضاً أن يراد بالغفلة معنى الإهمال كما في قوله تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غافلين ﴾ [ المؤمنون : ١٧ ] فلا تنافي بين الوصفين.
﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ ﴾ من طائفة نازلة من القرآن تذكرهم أكمل تذكير وتبين لهم الأمر أتم تبيين كأنها نفس الذكر، و﴿ مِنْ ﴾ سيف خطيب وما بعدها مرفوع المحل على الفاعلية، والقول بأنها تبعيضية بعيد، و﴿ مِنْ ﴾ في قوله تعالى :﴿ مّن رَّبّهِمُ ﴾ لابتداء الغاية مجازاً متعلقة بيأتيهم أو بمحذوف هو صفة لذكر، وأياً ما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وكمال شناعة ما فعلوا به، والتعرض لعنوان الربوبية لتشديد التشنيع ﴿ مُّحْدَثٍ ﴾ بالجر صفة لذكر.