﴿ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ ﴾ أي رأوا عذابنا ؛ يقال : أحسست منه ضعفاً.
وقال الأخفش :"أحسّوا" خافوا وتوقعوا.
﴿ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ﴾ أي يهربون ويفرّون.
والركض العدو بشدة الوطء.
والركض تحريك الرِّجل ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ اركض بِرِجْلِكَ ﴾ [ ص : ٤٢ ] وركضت الفرس برجلي استحثته ليعدو ثم كثر حتى قيل رَكَض الفرسُ إذا عَدَا وليس بالأصل، والصواب رُكِض الفرسُ على ما لم يسمّ فاعله فهو مركوض.
﴿ لاَ تَرْكُضُواْ ﴾ أي لا تفرّوا.
وقيل : إن الملائكة نادتهم لما انهزموا استهزاء بهم وقالت :"لا تركضوا".
﴿ وارجعوا إلى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم، والمترف المتنعم ؛ يقال : أُترف على فلان أي وُسّع عليه في معاشه.
وإنما أترفهم الله عز وجل كما قال :﴿ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا ﴾ [ المؤمنون : ٣٣ ].
﴿ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾ أي لعلكم تُسألون شيئاً من دنياكم ؛ استهزاء بهم ؛ قاله قتادة.
وقيل : المعنى "لَعَلَّكُمْ" عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به.
وقيل : المعنى ﴿ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾ أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول البأس بكم ؛ قيل لهم ذلك استهزاء وتقريعاً وتوبيخاً.
﴿ قَالُواْ ياويلنآ ﴾ لما قالت لهم الملائكة :"لا تركضوا" ونادت يا لثارات الأنبياء! ولم يروا شخصاً يكلمهم عرفوا أن الله عز وجل هو الذي سلط عليهم عدوهم بقتلهم النبي الذي بعث فيهم، فعند ذلك قالوا :﴿ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ فاعترفوا بأنهم ظلموا حين لا ينفع الاعتراف.
﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ أي لم يزالوا يقولون :﴿ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾.
﴿ حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً ﴾ أي بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل ؛ قاله مجاهد.
وقال الحسن : أي بالعذاب.
﴿ خَامِدِينَ ﴾ أي ميتين.
والخمود الهمود كخمود النار إذا طفئت فشبه خمود الحياة بخمود النار، كما يقال لمن مات قد طفىء تشبيهاً بانطفاء النار. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١١ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon