وقال أبو حيان :
ولما توعدهم في هذه الآية أعقب ذلك بوعده بنعمته عليهم فقال ﴿ لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم ﴾ والكتاب هو القرآن.
وعن ابن عباس :﴿ ذكركم ﴾ شرفكم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وعن الحسن ذكر دينكم، وعن مجاهد فيه حديثكم، وعن سفيان مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم.
وقيل : تذكرة لتحذروا ما لا يحل وترغبوا فيما يجب.
وقال صاحب التحرير : الذي يقتضيه سياق الآيات أن المعنى فيه ذكر مشانئكم ومثالبكم وما عاملتهم به أنبياء الله من التكذيب والعناد، فعلى هذا تكون الآية ذماً لهم وليست من تعداد النعم عليهم، ويكون الكلام على سياقه ويكون معنى قوله ﴿ هل هذا إلاّ بشر مثلكم ﴾ ﴿ أفلا تعقلون ﴾ إنكاراً عليهم على إهمالهم المتدبر والتفكر المؤديين إلى اقتضاء الغفلة.
وقال ابن عطية : يحتمل أن يريد فيه شرفكم وذكركم آخر الدهر كما نذكر عظام الأمور، وفي هذا تحريض ثم أكد التحريض بقوله ﴿ أفلا تعقلون ﴾ وحركهم بذلك إلى النظر.
وقال الزمخشري نحوه قال :﴿ ذكركم ﴾ شرفكم وصيتكم كما قال ﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ أو موعظتكم أو فيه مكارم الأخلاق التي كنتم تطلبون بها الثناء، وحسن الذكر كحسن الجوار والوفاء بالعهد وصدق الحديث وأداء الأمانة والسخاء وما أشبه ذلك.
﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً ﴾
لما رد الله تعالى عليهم ما قالوه بالغ تعالى في زجرهم بذكر ما أهلك من القرى، فقال :﴿ وكم قصمنا ﴾ والمراد أهلها إذ لا توصف القرية بالظلم كقوله ﴿ من هذه القرية الظالم أهلها ﴾ قال ابن عباس : الإنشاء إيجاد الشيء من غير سبب أنشأه فنشأ وهو ناشىء والجمع نشاء كخدم، والقصم أفظع الكسر عبر به عن الإهلاك الشديد ﴿ وكم ﴾ تقتضي التكثير، فالمعنى كثيراً من أهل القرى أهلكنا إهلاكاً شديداً مبالغاً فيه.