وقال أبو حيان :
ولما ذكر تعالى قصم تلك القرى الظالمة أتبع ذلك بما يدل على أنه فعل ذلك عدلاً منه ومجازاة على ما فعلوا وأنه إنما أنشأ هذا العالم العلوي المحتوي على عجائب من صنعه وغرائب من فعله، وهذا العالم السفلي وما أودع فيه من عجائب الحيوان والنبات والمعادن وما بينهما من الهواء والسحاب والرياح على سبيل اللعب بل لفوائد دينية تقضي بسعادة الأبد أو بشقاوته، ودنياوية لا تعد ولا تحصى كقوله ﴿ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ﴾ وقوله ﴿ ما خلقناهما إلاّ بالحق ﴾ قال الكرماني : اللعب فعل يدعو إليه الجهل يروق أوله ولا ثبات له، وإنما خلقناهما لنجازي المحسن والمسيء، وليستدل بهما على الوحدانية والقدرة انتهى.
و﴿ لو أردنا أن نتخذ لهواً ﴾ أصل اللهو ما تسرع إليه الشهوة ويدعو إليه الهوى، وقد يكنى به عن الجماع، وأما هنا فعن ابن عباس والسدّي هو الولد.
وقال الزجاج : هو الولد بلغة حضرموت.
وعن ابن عباس : إن هذا رد على من قال ﴿ اتخذ الله ولداً ﴾ وعنه أن اللهو هنا اللعب.
وقيل : اللهو هنا المرأة.
وقال قتادة : هذا في لغة أهل اليمن، وتكون رداً على من ادعى أن لله زوجة ومعنى ﴿ من لدنا ﴾ من عندنا بحيث لا يطلع عليه أحد لأنه نقص فستره أولى.
وقال السدّي : من السماء لا من الأرض.
وقيل : من الحور العين.
وقيل : من جهة قدرتنا.
وقيل : من الملائكة لا من الإنس رداً لولادة المسيح وعزير.
وقال الزمخشري : بين أن السبب في ترك اتخاذ اللهو واللعب وانتفائه عن أفعالي أن الحكمة صارفة عنه، وإلاّ فأنا قادر على اتخاذه إن كنت فاعلاً لأني على كل شيء قدير انتهى.
ولا يجيء هذا إلاّ على قول من قال : اللهو هو اللعب، وأما من فسره بالولد والمرأة فذلك مستحيل لا تتعلق به القدرة.
والظاهر أن ﴿ أن ﴾ هنا شرطية وجواب الشرط محذوف، يدل عليه جواب ﴿ لو ﴾ أي إن كنا فاعلين اتخذناه إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله.


الصفحة التالية
Icon