قال الزجاج : ولا يستحسرون ولا يتعبون ولا يعيون قال صاحب "الكشاف" : فإن قلت الاستحسار مبالغة في الحسور فكأن الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور قلت في الاستحسار بيان أن ما هم فيه يوجب غاية الحسور وأقصاه وأنهم أحقاء لتلك العبادات الشاقة بأن يستحسروا فيما يفعلون أما قوله تعالى :﴿يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ﴾ فالمعنى أن تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا يتخلله فترة بفراغ أو بشغل آخر، روي عن عبد الله بن الحرث بن نوفل، قال : قلت لكعب : أرأيت قول الله تعالى :﴿يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ﴾ ثم قال :﴿جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً﴾ [ فاطر : ١ ] أفلا تكون تلك الرسالة مانعة لهم عن هذا التسبيح وأيضاً قال :﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملئكة والناس أَجْمَعِينَ﴾ [ البقرة : ١٦١ ] فكيف يشتغلون باللعن حال اشتغالهم بالتسبيح ؟ أجاب كعب الأحبار فقال : التسبيح لهم كالتنفس لنا فكما أن اشتغالنا بالتنفس لا يمنعنا من الكلام فكذا اشتغالهم بالتبسيح لا يمنعهم من سائر الأعمال.
فإن قيل هذا القياس غير صحيح لأن الإشتغال بالتنفس إنما لم يمنع من الكلام، لأن آلة التنفس غير آلة الكلام أما التسبيح واللعن فهما من جنس الكلام فاجتماعهما محال.
والجواب : أي استبعاد في أن يخلق الله تعالى لهم ألسنة كثيرة ببعضها يسبحون الله وببعضها يلعنون أعداء الله، أو يقال معنى قوله :﴿لاَ يَفْتُرُونَ﴾ أنهم لا يفترون عن العزم على أدائه في أوقاته اللائقة به كما يقال : إن فلانا يواظب على الجماعات لا يفتر عنها لا يراد به أنه أبداً مشتغل بها بل يراد به أنه مواظب على العزم على أدائها في أوقاتها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٢ صـ ١٢٨ ـ ١٢٩﴾