وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ﴾
يقال : قرب الشيء واقترب وقد اقترب الحساب، أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه.
قال الزجاج : المعنى :﴿ اقترب لِلنَّاسِ ﴾ وقت ﴿ حِسَابَهُمْ ﴾ أي القيامة كما في قوله :﴿ اقتربت الساعة ﴾ [ القمر : ١ ].
واللام في ﴿ للناس ﴾ متعلقة بالفعل، وتقديمها هي ومجرورها على الفاعل لإدخال الروعة، ومعنى اقتراب وقت الحساب : دنّوه منهم، لأنه في كل ساعة أقرب إليهم من الساعة التي قبلها.
وقيل : لأن كل ما هو آتٍ قريب، وموت كل إنسان قيام ساعته.
والقيامة أيضاً قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى، والمراد بالناس : العموم.
وقيل : المشركون مطلقاً.
وقيل : كفار مكة، وعلى هذا الوجه قيل : المراد بالحساب : عذابهم يوم بدر، وجملة :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ في محل نصب على الحال، أي هم في غفلة بالدنيا معرضون عن الآخرة، غير متأهبين بما يجب عليهم من الإيمان بالله.
والقيام بفرائضه، والانزجار عن مناهيه.
﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ ﴾ :" من " لابتداء الغاية.
وقد استدلّ بوصف الذكر لكونه محدثاً على أن القرآن محدث، لأن الذكر هنا هو : القرآن.
وأجيب بأنه : لا نزاع في حدوث المركب من الأصوات والحروف، لأنه متجدد في النزول.
فالمعنى محدث تنزيله، وإنما النزاع في الكلام النفسي.
وهذه المسألة أعني قدم القرآن وحدوثه، قد ابتلي بها كثير من أهل العلم والفضل في الدولة المأمونية والمعتصمية والواثقية، وجرى للإمام أحمد بن حنبل ما جرى من الضرب الشديد والحبس الطويل وضرب بسببها عنق محمد بن نصر الخزاعي، وصارت فتنة عظيمة في ذلك الوقت وما بعده.


الصفحة التالية
Icon