والقصة أشهر من أن تذكر، ومن أحبّ الوقوف على حقيقتها طالع ترجمة الإمام أحمد بن حنبل في كتاب النبلاء لمؤرخ الإسلام الذهبي.
ولقد أصاب أئمة السنّة بامتناعهم من الإجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه وحفظ الله بهم أمة نبيه عن الابتداع، ولكنهم رحمهم الله جاوزوا ذلك إلى الجزم بقدمه ولم يقتصروا على ذلك حتى كفروا من قال بالحدوث، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من قال : لفظي بالقرآن مخلوق، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من وقف، وليتهم لم يجاوزوا حد الوقف وإرجاع العلم إلى علام الغيوب، فإنه لم يسمع من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وقت قيام المحنة وظهور القول في هذه المسألة شيء من الكلام، ولا نقل عنهم كلمة في ذلك، فكان الامتناع من الإجابة إلى ما دعوا إليه، والتمسك بأذيال الوقف، وإرجاع علم ذلك إلى عالمه هو الطريقة المثلى، وفيه السلامة والخلوص من تكفير طوائف من عباد الله، والأمر لله سبحانه.
وقوله :﴿ إِلاَّ استمعوه ﴾ استثناء مفرغ في محل نصب على الحال.
وجملة :﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ في محل نصب على الحال أيضاً، من فاعل استمعوه، و﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ حال أيضاً والمعنى : ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث في حال من الأحوال إلا في الاستماع مع اللعب والاستهزاء ولهوة القلوب، وقرىء :" لاهية " بالرفع كما قرىء :" محدث " بالرفع ﴿ وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ ﴾ النجوى : اسم من التناجي، والتناجي لا يكون إلا سرّاً، فمعنى إسرار النجوى : المبالغة في الإخفاء.
وقد اختلف في محل الموصول على أقوال، فقيل : إنه في محل رفع بدل من الواو في ﴿ أسرّوا ﴾، قاله المبرد وغيره.
وقيل : هو في محل رفع على الذمّ.
وقيل : هو فاعل لفعل محذوف، والتقدير : يقول الذين ظلموا، واختار هذا النحاس، وقيل : في محل نصب بتقدير أعني.
وقيل : في محل خفض على أنه بدل من الناس ذكر ذلك المبرد.


الصفحة التالية
Icon