وقيل : هو في محل رفع على أنه فاعل ﴿ أسرّوا ﴾ على لغة من يجوّز الجمع بين فاعلين، كقولهم : أكلوني البراغيث، ذكر ذلك الأخفش، ومثله ﴿ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ ﴾ [ المائدة : ٧١ ] ومنه قول الشاعر :
فاهتدين البغال للأغراض... وقول الآخر :
ولكن دنا بي أبوه وأمه... بحوران يعصرن السليط أقاربه
وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير، أي والذين ظلموا أسرّوا النجوى.
قال أبو عبيدة : أسرّوا هنا من الأضداد، يحتمل أن يكون بمعنى : أخفوا كلامهم، ويحتمل أن يكون بمعنى : أظهروه وأعلنوه ﴿ هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ ﴾ هذه الجملة بتقدير القول قبلها، أي قالوا : هل هذا الرسول إلا بشر مثلكم لا يتميز عنكم بشيء؟ ويجوز أن تكون هذه الجملة بدلاً من النجوى، وهل بمعنى النفي أي : وأسرّوا هذا الحديث، والهمزة في ﴿ أَفَتَأْتُونَ السحر ﴾ للإنكار، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره، وجملة :﴿ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ في محل نصب على الحال، والمعنى : إذا كان بشراً مثلكم، وكان الذي جاء به سحراً، فكيف تجيبونه إليه وتتبعونه.
فأطلع الله نبيه ﷺ على ما تناجوا به، وأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال :﴿ قُل رَّبّي يَعْلَمُ القول فِى السماء والأرض ﴾ أي لا يخفى عليه شيء مما يقال فيهما، وفي مصاحف أهل الكوفة :﴿ قال ربي ﴾ أي قال محمد : ربي يعلم القول، فهو عالم بما تناجيتم به.
قيل : القراءة الأولى أولى، لأنهم أسرّوا هذا القول، فأطلع الله رسوله ﷺ على ذلك وأمره أن يقول لهم هذا.
قال النحاس : والقراءتان صحيحتان، وهما بمنزلة آيتين ﴿ وَهُوَ السميع ﴾ لكل ما يسمع ﴿ العليم ﴾ بكل معلوم، فيدخل في ذلك ما أسرّوا دخولاً أولياً.
﴿ بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ قال الزجاج : أي قالوا : الذي تأتي به أضغاث أحلام.
قال القتيبي : أضغاث الأحلام الرؤيا الكاذبة.