وقال اليزيدي : الأضغاث ما لم يكن له تأويل، وهذا إضراب من جهة الله سبحانه حكاية لما وقع منهم، وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية هذا القول.
ثم حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم : أضغاث أحلام، قال :﴿ بَلِ افتراه ﴾ أي بل قالوا : افتراه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل.
ثم حكى سبحانه عنهم أنهم أضربوا عن هذا وقالوا :﴿ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ وما أتى به من جنس الشعر، وفي هذا الاضطراب منهم، والتلوّن والتردّد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به، لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه؟ أو كانوا قد علموا أنه حق، وأنه من عند الله، ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ويرموه بكل حجر ومدر، وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان.
ثم بعد هذا كله، قالوا :﴿ فليأتنا بآية ﴾ وهذا جواب شرط محذوف أي : إن لم يكن كما قلنا : فليأتنا بآية ﴿ كَمَا أُرْسِلَ الأولون ﴾ أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها، وصالح بالناقة، ومحل الكاف الجرّ صفة لآية، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف، وكان سؤالهم هذا سؤال تعنت، لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي، ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحوه لأعطاهم ذلك، كما قال :﴿ وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ] قال الزجاج : اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال، فقال الله مجيباً لهم :﴿ مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ ﴾ أي قبل مشركي مكة، ومعنى ﴿ من قرية ﴾ : من أهل قرية، ووصف القرية بقوله :﴿ أهلكناها ﴾ أي أهلكنا أهلها، أو أهلكناها بإهلاك أهلها.


الصفحة التالية
Icon