وفيه بيان أن سنّة الله في الأمم السالفة أن المقترحين إذا أعطوا ما اقترحوه ثم لم يؤمنوا نزل بهم عذاب الاستئصال لا محالة، و" من " في ﴿ من قرية ﴾ مزيدة للتأكيد، والمعنى : ما آمنت قرية من القرى التي أهلكناها بسبب اقتراحهم قبل هؤلاء، فكيف نعطيهم ما يقترحون، وهم أسوة من قبلهم، والهمزة في ﴿ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ للتقريع والتوبيخ، والمعنى : إن لم تؤمن أمة من الأمم المهلكة عند إعطاء ما اقترحوا، فكيف يؤمن هؤلاء لو أعطوا ما اقترحوا.
ثم أجاب سبحانه عن قولهم : هل هذا إلا بشر مثلكم بقوله :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمُ ﴾ أي لم نرسل قبلك إلى الأمم السابقة إلا رجالاً من البشر، ولم نرسل إليهم ملائكة كما قال سبحانه :﴿ قُل لَوْ كَانَ فِى الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً ﴾ [ الإسراء : ٩٥ ].
وجملة ﴿ نوحي إليهم ﴾ مستأنفة لبيان كيفية الإرسال، ويجوز أن تكون صفة ل ﴿ رجالاً ﴾ أي متصفين بصفة الإيحاء إليهم.
قرأ حفص وحمزة والكسائي :﴿ نوحي ﴾ بالنون، وقرأ الباقون بالياء :" يوحي ".
ثم أمرهم الله بأن يسألوا أهل الذكر إن كانوا يجهلون هذا فقال :﴿ فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ وأهل الذكر : هم أهل الكتابين : اليهود والنصارى، ومعنى ﴿ إن كنتم لا تعلمون ﴾ : إن كنتم لا تعلمون أن رسل الله من البشر، كذا قال أكثر المفسرين.
وقد كان اليهود والنصارى لا يجهلون ذلك ولا ينكرونه، وتقدير الكلام : إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أهل الذكر.
وقد استدل بالآية على أن التقليد جائز وهو خطأ، ولو سلم لكان المعنى سؤالهم عن النصوص من الكتاب والسنّة، لا عن الرأي البحت، وليس التقليد إلا قبول قول الغير دون حجته.
وقد أوضحنا هذا في رسالة بسيطة : سميناها "القول المفيد في حكم التقليد".