أحدها : وهو الأقوى أن يقال : لو فرضنا موجودين واجبي الوجود لذاتيهما فلا بد وأن يشتركا في الوجود ولا بد وأن يمتاز كل واحد منهما عن الآخر بنفسه وما به المشاركة غير ما به الممايزة فيكون كل واحد منهما مركباً مما به يشارك الآخر ومما به امتاز عنه، وكل مركب فهو مفتقر إلى جزئه وجزؤه غيره، فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره ممكن لذاته، فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته.
هذا خلف، فإذن واجب الوجود ليس إلا الواحد وكل ما عداه فهو ممكن مفتقر إليه وكل مفتقر في وجوده إلى الغير فهو محدث فكل ما سوى الله تعالى محدث، ويمكن جعل هذه الدلالة تفسيراً لهذه الآية.
لأنا إنما دللنا على أنه يلزم من فرض موجودين واجبين أن لا يكون شيء منهما واجباً وإذا لم يوجد الواجب لم يوجد شيء من هذه الممكنات، وحينئذ يلزم الفساد فثبت أنه يلزم من وجود إلهين وقوع الفساد في كل العالم.
وثانيها : أنا لو قدرنا إلهين لوجب أن يكون كل واحد منهما مشاركاً للآخر في الإلهية، ولا بد وأن يتميز كل واحد منهما عن الآخر بأمر ما وإلا لما حصل التعدد، فما به الممايزة إما أن يكون صفة كمال أو لا يكون فإن كان صفة كمال فالخالي عنه يكون خالياً عن الكمال فيكون ناقصاً والناقص لا يكون إلهاً، وإن لم يكن صفة كمال فالموصوف به يكون موصوفاً بما لايكون صفة كمال فيكون ناقصاً، ويمكن أن يقال : ما به الممايزة إن كان معتبراً في تحقق الإلهية فالخالي عنه لا يكون إلهاً وإن لم يكن معتبراً في الإلهية لم يكن الاتصاف به واجباً، فيفتقر إلى المخصص فالموصوف به مفتقر ومحتاج.
وثالثها : أن يقال : لو فرضنا إلهين لكان لا بد وأن يكونا بحيث يتمكن الغير من التمييز بينهما، لكن الامتياز في عقولنا لا يحصل إلا بالتباين في المكان أو في الزمان أو في الوجوب والإمكان وكل ذلك على الإله محال فيمتنع حصول الإمتياز.