وثامنها : قوله تعالى :﴿الله خالق كُلّ شَيْء﴾ [ الزمر : ٦٢ ] فلو وجد الشريك لم يكن خالقاً فلم يكن فيه فائدة، واعلم أن كل مسألة لا تتوقف معرفة صدق الرسل عليها فإنه يمكن إثباتها بالسمع والوحدانية لا تتوقف معرفة صدق الرسل عليها، فلا جرم يمكن إثباتها بالدلائل السمعية، واعلم أن من طعن في دلالة التمانع فسر الآية بأن المراد لو كان في السماء والأرض آلهة تقول بإلهيتها عبدة الأوثان لزم فساد العالم لأنها جمادات لا تقدر على تدبير العالم فيلزم فساد العالم قالوا وهذا أولى لأنه تعالى حكى عنهم قوله :﴿أَمِ اتخذوا آلِهَةً مّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ﴾ ثم ذكر الدلالة على فساد هذا فوجب أن يختص الدليل به وبالله التوفيق.
أما قوله تعالى :﴿فسبحان الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
أنه سبحانه لما أقام الدلالة القاطعة على التوحيد قال بعده :﴿فسبحان الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي هو منزه لأجل هذه الأدلة عن وصفهم بأن معه إلهاً، وهذا تنبيه على أن الإشتغال بالتسبيح إنما ينفع بعد إقامة الدلالة على كونه تعالى منزهاً وعلى أن طريقة التقليد طريقة مهجورة.
المسألة الثانية :
لقائل أن يقول أي فائدة لقوله :﴿فسبحان الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ولمَ لم يكتف بقوله :﴿فَسُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ؟ وجوابه أن هذه المناظرة إنما وقعت مع عبدة الأصنام، إلا أن الدليل الذي ذكره الله تعالى يعم جميع المخالفين، ثم إنه تعالى بعد ذكر الدليل العام نبه على نكتة خاصة بعبدة الأصنام، وهي أنه كيف يجوز للعاقل أن يجعل الجماد الذي لا يعقل ولا يحس شريكاً في الإلهية لخالق العرش العظيم وموجد السموات والأرضين ومدبر الخلائق من النور والظلمة واللوح والقلم والذات والصفات والجماد والنبات وأنواع الحيوانات أجمعين.