وخامسها : أنه تعالى صرح في كثير من المواضع بأنه يقبل حجة العباد عليه كقوله :﴿رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل﴾ [ النساء : ١٦٥ ] وهذا يقتضي أن لهم عليه الحجة قبل بعثة الرسل، وقال :﴿وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءاياتك مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى﴾ [ طه : ١٣٤ ] ونظائر هذه الآيات كثيرة وكلها تدل على أن حجة العبد متوجهة على الله تعالى.
وسادسها : قال ثمامة إذا وقف العبد يوم القيامة فيقول الله تعالى : ما حملك على معصيتي ؟ فيقول على مذهب الجبر : يا رب إنك خلقتني كافراً وأمرتني بما لا أقدر عليه وحلت بيني وبينه، ولا شك أنه على مذهب الجبر يكون صادقاً، وقال الله تعالى :﴿هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ﴾ [ المائدة : ١١٩ ] فوجب أن ينفعه هذا الكلام فقيل له، ومن يدعه يقول : هذا الكلام أو يحتج ؟ فقال ثمامة : أليس إذا منعه الله الكلام والحجة فقد علم أنه منعه مما لو لم يمنعه منه لانقطع في يده، وهذا نهاية الانقطاع.
والجواب عن هذه الوجوه : أنها معارضة بمسألة الداعي ومسألة العلم ثم بالوجوه الثمانية التي بينا فيها أنه يستحيل طلب لمية أفعال الله تعالى وأحكامه.
وأما قوله تعالى :﴿أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً قُلْ هَاتُواْ برهانكم﴾ فاعلم أنه سبحانه كرر قوله :﴿أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً﴾ استعظاماً لكفرهم أي وصفتم الله بأن له شريكاً فهاتوا برهانكم على ذلك.
أما من جهة العقل، أو من جهة النقل فإنه سبحانه لما ذكر دليل التوحيد أولاً وقرر الأصل الذي عليه تخرج شبهات القائلين بالتثنية ثانياً، أخذ يطالبهم بذكر شبهتهم ثالثاً.
أما قوله تعالى :﴿هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :