هذه ﴿ أم ﴾ التي هي بمنزلة ألف الاستفهام، وهي هاهنا تقرير وتوقيف، ومذهب سيبويه أنها بمنزلة بل مع ألف الاستفهام، كأن في القول إضراباً عن الأول ووقفهم الله تعالى هل ﴿ اتخذوا آلهة ﴾ يحيون ويخترعون، أي ليست آلهتكم كذلك فهي آلهة لأن من صفة الإله القدرة على الإحياء والإماتة. وقرأت فرقة " يُنشرون " بضم الياء بمعنى يحيون غيرهم، وقرأت فرقة " يَنشرون " بمعنى يحيونهم وتدوم حياتهم يقال نشر الميت وأنشره الله تعالى، ثم بين تعالى أمر التمانع بقوله ﴿ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدنا ﴾ وذلك بأنه كان يبغي بعضهم على بعض ويذهب بما خلق، واقتضاب القول في هذا أن الإلهين لو فرضنا فوقع بينهما الاختلاف في تحريك جرم وتسكينه فمحال أن تتم الإرادتان ومحال أن لا تتم جميعاً، وإذا تمت الواحدة كان صاحب الأخرى عاجزاً، وهذا ليس بإله، وجواز الاختلاف عليهما بمنزلة وقوعه منهما ونظر آخر وذلك أن كل جزء يخرج من العدم إلى الوجود فمحال أن يتعلق به قدرتان، فإذا كانت قدرة أحدهما موجدة بقي الآخر فضلاً لا معنى له في ذلك الجزء، ثم يتمادى النظر هكذا جزءاً جزءاً ثم نزه تعالى نفسه عما وصفه أهل الجهالة والكفر، ثم وصف نفسه تعالى بأنه ﴿ لا يسأل عما يفعل ﴾ وهذا وصف يحتمل معنيين : إما أن يريد أنه بحق ملكه وسلطانه لا يعارض ولا يسأل عن شيء يفعله إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء، وإما أن يريد أنه محكم الأفعال واضع كل شيء موضعه فليس في أفعاله موضع سؤال ولا اعتراض، وهؤلاء من البشر يسألون لهاتين العلتين لأنهم ليسوا مالكين ولأنهم في أفعالهم خلل كثير، ثم قررهم تعالى ثانية على اتخاذ الآلهة، وفي تكرار هذا التقرير مبالغة في نكره وبيان فساده، وفي هذا التقرير زيادة على الأول وهي قوله تعالى :﴿ من دونه ﴾ فكأنهم قررهم هنا على قصد الكفر بالله عز وجل، ثم دعاهم إلى الحجة والإيتان بالبرهان. وقوله تعالى :{ هذا ذكر من معي وذكر من


الصفحة التالية
Icon