وقال ابن الجوزى :
ثم إِن الله تعالى عاد إِلى توبيخ المشركين فقال :﴿ أم اتَّخَذوا آلهة من الأرض ﴾ لأن أصنامهم من الأرض هي، سواء كانت من ذهب أو فضة أو خشب أو حجارة ﴿ هُمْ ﴾ يعني : الآلهة ﴿ يُنْشِرون ﴾ أي : يُحْيُون الموتى.
وقرأ الحسن :"يَنشُرون" بفتح الياء وضم الشين.
وهذا استفهام بمعنى الجحد، والمعنى : ما اتخذوا آلهة تَنْشُر ميتاً.
﴿ لو كان فيهما ﴾ يعني : السماء والأرض ﴿ آلهةٌ ﴾ يعني : معبودين ﴿ إِلا الله ﴾ قال الفراء : سوى الله.
وقال الزجاج : غير الله.
قوله تعالى :﴿ لفَسَدَتَا ﴾ أي : لخربتا وبطلتا وهلكَ من فيهما، لوجود التمانع بين الآلهة، فلا يجري أمر العالَم على النظام، لأن كل أمر صدر عن اثنين فصاعداً لم يَسْلَم من الخلاف.
قوله تعالى :﴿ لا يُسأَل عمَّا يَفْعَل ﴾ أي : عمَّا يَحْكُم في عباده من هدي وإِضلال، وإِعزاز وإِذلال، لأنه المالك للخلق، والخلق يُسأَلون عن أعمالهم ؛ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، ولمَّا أبطل عز وجل أن يكون إِله سواه من حيث العقل بقوله :﴿ لفسدتا ﴾، أبطل ذلك من حيث الأمر فقال :﴿ أم اتَّخَذوا من دونه آلهة ﴾ وهذا استفهام إِنكار وتوبيخ ﴿ قل هاتوا برهانكم ﴾ على ما تقولون، ﴿ هذا ذِكْر مَنْ معي ﴾ يعني : القرآن خبر مَن معي على ديني ممن يتبعني إِلى يوم القيامة بمالهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ﴿ وذِكْر مَنْ قبلي ﴾ يعني : الكتب المنزلة، والمعنى : هذا القرآن، وهذه الكتب التي أُنزلت قبله، فانظروا هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إِله سواه؟ فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود غيره من حيث الأمر به.
قال الزجاج : قيل لهم : هاتوا برهانكم بأن رسولاً من الرسل أخبر أُمَّته بأن لهم إلهاً غير الله!.
قوله تعالى :﴿ بل أكثرهم ﴾ يعني : كفار مكة ﴿ لا يعلمون الحقَّ ﴾ وفيه قولان.
أحدهما : أنه القرآن، قاله ابن عباس.
والثاني : التوحيد، قاله مقاتل.
﴿ فهم مُعْرِضُون ﴾ عن التفكُّر والتأمُّل وما يجب عليهم من الإِيمان. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٥ صـ ﴾