وقال بعض أهل العلم : نقصها من أطرافها هو نقص الأنفس والثمرات، إلى غير ذلك من الأقوال، وأما القول الذي دلت عليه القرينة القرآنية : فهو أن معنى ﴿ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ ﴾ أي ننقص أرض الكفر ودار الحرب، ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها، وردها دار إسلام. والقرينة الدالة على هذا المعنى هي قوله بعده ﴿ أَفَهُمُ الغالبون ﴾. والاستفهام لإنكار غلبتهم. وقيل : لتقريرهم بأنهم مغلوبون لا غالبون، فقوله :﴿ أَفَهُمُ الغالبون ﴾ دليل على أن نقص الأرض من أطرافها سبب لغلبة المسلمين للكفار، وذلك إنما يحصل بالمعنى المذكور. ومما يدل لهذا الوجه قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله ﴾ [ الرعد : ٣١ ] على قول من قال : إن المراد بالقارعة التي تصيبهم سرايا النَّبي ﷺ تفتح أطراف بلادهم، أو تحل أنت يا نبي الله قريباً من دارهم.
وممن يروى عنه هذا القول : ابن عباس وأبو سعيد وعكرمة ومجاهد وغيرهم. وهذا المعنى الذي ذكر الله هنا ذكره في آخر سورة " الرعد " أيضاً في قوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الحساب ﴾ [ الرعد : ٤١ ].
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية " الأنبياء " هذه : إن أحسن ما فُسِّر به قوله تعالى :﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ ﴾ [ الأنبياء : ٤٤ ] هو قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ القرى وَصَرَّفْنَا الآيات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [ الأحقاف : ٢٧ ].


الصفحة التالية
Icon