فصل
قال الفخر :
ثم إنه سبحانه ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب رسوله فقال :﴿وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون﴾ والمعنى ولقد استهزئ برسل من قبلك يا محمد كما استهزأ بك قومك ﴿فَحَاقَ﴾ أي نزل وأحاط ﴿بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ﴾ أي عقوبة استهزائهم وحاق وحق بمعنى كزال وزل وفي هذا تسلية للنبي ﷺ، والمعنى فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.
﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾
اعلم أنه تعالى لما بين أن الكفار في الآخرة لا يكفون عن وجوههم النار بسائر ما وصفهم به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة فقال لرسوله : قل لهؤلاء الكفار الذين يستهزءون ويغترون بما هم عليه :﴿مَن يَكْلَؤُكُم باليل والنهار﴾ وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه إلى أين مفرّك منى! هل لك محيص عني! والكالىء الحافظ.
وأما قوله :﴿مِّنَ الرحمن﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
في معناه وجوه : أحدها :﴿مَن يَكْلَؤُكُم مِنَ الرحمن﴾ أي مما يقدر على إنزاله بكم من عذاب تستحقونه.
وثانيها : من بأس الله في الآخرة.
وثالثها : من القتل والسبي وسائر ما أباحه الله لكفرهم فبين سبحانه أنه لا حافظ لهم ولا دافع عن هذه الأمور لو أنزلها بهم ولولا تفضله بحفظهم لما عاشوا ولما متعوا بالدنيا.
المسألة الثانية :
إنما خص ههنا اسم الرحمن بالذكر تلقيناً للجواب حتى يقول العاقل : أنت الكالىء يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك، كما في قوله :﴿مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم﴾ [ الانفطار : ٦ ] إنما خص اسم الكريم بالذكر تلقيناً للجواب.
المسألة الثالثة :