وخامسها : أنه يجوز أن يكون فيه وقف عند قوله كبيرهم ثم يبتدىء فيقول هذا فاسألوهم، والمعنى بل فعله كبيرهم وعنى نفسه لأن الإنسان أكبر من كل صنم.
وسادسها : أن يكون في الكلام تقديم وتأخير كأنه قال : بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم فتكون إضافة الفعل إلى كبيرهم مشروطاً بكونهم ناطقين فلما لم يكونوا ناطقين امتنع أن يكونوا فاعلين.
وسابعها : قرأ محمد بن السميفع فعله كبيرهم أي فلعل الفاعل كبيرهم.
القول الثاني : وهو قول طائفة من أهل الحكايات، أن ذلك كذب واحتجوا بما روي عن النبي ﷺ أنه قال :
" لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلها في ذات الله تعالى، قوله :﴿إِنّى سَقِيمٌ﴾ وقوله :﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ وقوله لسارة هي أختي " وفي خبر آخر :" أن أهل الموقف إذا سألوا إبراهيم الشفاعة قال : إني كذبت ثلاث كذبات " ثم قرروا قولهم من جهة العقل وقالوا : الكذب ليس قبيحاً لذاته، فإن النبي عليه السلام إذا هرب من ظالم واختفى في دار إنسان، وجاء الظالم وسأل عن حاله فإنه يجب الكذب فيه، وإذا كان كذلك فأي بعد في أن يأذن الله تعالى في ذلك لمصلحة لا يعرفها إلا هو، واعلم أن هذا القول مرغوب عنه.
أما الخبر الأول وهو الذي رووه فلأن يضاف الكذب إلى رواته أولى من أن يضاف إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والدليل القاطع عليه أنه لو جاز أن يكذبوا لمصلحة ويأذن الله تعالى فيه، فلنجوز هذا الاحتمال في كل ما أخبروا عنه، وفي كل ما أخبر الله تعالى عنه وذلك يبطل الوثوق بالشرائع وتطرق التهمة إلى كلها، ثم إن ذلك الخبر لو صح فهو محمول على المعاريض على ما قال عليه السلام :" إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب "
فأما قوله تعالى :﴿إِنّى سَقِيمٌ﴾ فلعله كان به سقم قليل واستقصاء الكلام فيه يجيء في موضعه.
وأما قوله :﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾ فقد ظهر الجواب عنه.


الصفحة التالية
Icon