فإني ذابح له أربعة آلاف بقرة، فقال إبراهيم عليه السلام : لا يقبل الله منك ما دمت على دينك، فقال نمروذ : لا أستطيع ترك ملكي، ولكن سوف أذبحها له، ثم ذبحها له وكف عن إبراهيم عليه السلام، ورويت هذه القصة على وجه آخر، وهي أنهم بنوا لإبراهيم بنياناً وألقوه فيه، ثم أوقدوا عليه النار سبعة أيام، ثم أطبقوا عليه، ثم فتحوا عليه من الغد، فإذا هو غير محترق يعرق عرقاً، فقال لهم هاران أبو لوط : إن النار لا تحرقه لأنه سحر النار، ولكن اجعلوه على شيء وأوقدوا تحته فإن الدخان يقتله، فجعلوه فوق بئر وأوقدوا تحته، فطارت شرارة فوقعت في لحية أبي لوط فأحرقته.
المسألة الثالثة :
إنما اختاروا المعاقبة بالنار لأنها أشد العقوبات، ولهذا قيل :﴿إِن كُنتُمْ فاعلين﴾ أي إن كنتم تنصرون آلهتكم نصراً شديداً، فاختاروا أشد العقوبات وهي الإحراق.
أما قوله تعالى :﴿قُلْنَا يا نارُ كُونِي بَرْداً وسلاما على إبراهيم﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال أبو مسلم الأصفهاني في تفسير قوله تعالى :﴿قُلْنَا يا نارُ كُونِي بَرْداً﴾ المعنى أنه سبحانه جعل النار برداً وسلاماً، لا أن هناك كلاماً كقوله :﴿أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ أي يكونه، وقد احتج عليه بأن النار جماد فلا يجوز خطابه، والأكثرون على أنه وجد ذلك القول.
ثم هؤلاء لهم قولان : أحدهما : وهو قول سدي : أن القائل هو جبريل عليه السلام.
والثاني : وهو قول الأكثرين أن القائل هو الله تعالى، وهذا هو الأليق الأقرب بالظاهر، وقوله : النار جماد فلا يكون في خطابها فائدة، قلنا : لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة.
المسألة الثانية :
اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أقوال : أحدها : أن الله تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والإحراق، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق والله على كل شيء قدير.