وثانيها : أن الله تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه، كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة، وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار.
وثالثها : أنه سبحانه خلق بينه وبين النار حائلاً يمنع من وصول أثر النار إليه، قال المحققون : والأول أولى لأن ظاهر قوله :﴿يانار كُونِي بَرْداً﴾ أن نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تأثيرها، لا أن النار بقيت كما كانت، فإن قيل : النار جسم موصوف بالحرارة واللطافة، فإذا كانت الحرارة جزء من مسمى النار امتنع كون النار باردة، فإذاً وجب أن يقال : المراد من النار الجسم الذي هو أحد أجزاء مسمى النار وذلك مجاز فلم كان مجازكم أولى من المجازين الآخرين ؟ قلنا : المجاز الذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد وفي المجازين اللذين ذكرتموهما لا يبقى ذلك فكان مجازنا أولى.
أما قوله تعالى :﴿كُونِي بَرْداً وسلاما على إبراهيم﴾ فالمعنى أن البرد إذا أفرط أهلك كالحر بل لا بد من الإعتدال ثم في حصول الاعتدال ثلاثة أوجه : أحدها : أنه يقدر الله تعالى بردها بالمقدار الذي لا يؤثر.
وثانيها : أن بعض النار صار برداً وبقي بعضها على حرارته فتعادل الحر والبرد.
وثالثها : أنه تعالى جعل في جسمه مزيد حر فسلم من ذلك البرد بل قد انتفع به والتذ ثم ههنا سؤالات :
السؤال الأول : أو كل النار زالت وصارت برداً.
الجواب : أن النار هو اسم الماهية فلا بد وأن يحصل هذا البرد في الماهية ويلزم منه عمومه في كل أفراد الماهية، وقيل : بل اختص بتلك النار لأن الغرض إنما تعلق ببرد تلك النار وفي النار منافع للخلق فلا يجوز تعطيلها، والمراد خلاص إبراهيم عليه السلام لا إيصال الضرر إلى سائر الخلق.
السؤال الثاني : هل يجوز ما روي عن الحسن من أنه سلام من الله تعالى على إبراهيم عليه السلام.