الجواب الظاهر كما أنه جعل النار برداً جعلها سلاماً عليه حتى يخلص، فالذي قاله يبعد وفيه تشتيت الكلام المرتب.
السؤال الثالث : أفيجوز ما روي من أنه لو لم يقل وسلاماً لأتى البرد عليه.
والجواب : ذلك بعيد لأن برد النار لم يحصل منها وإنما حصل من جهة الله تعالى فهو القادر على الحر والبرد فلا يجوز أن يقال : كان البرد يعظم لولا قوله سلاماً.
السؤال الرابع : أفيجوز ما قيل من أنه كان في النار أنعم عيشاً منه في سائر أحواله.
والجواب : لا يمتنع ذلك لما فيه من مزيد النعمة عليه وكمالها، ويجوز أن يكون إنما صار أنعم عيشاً هناك لعظم ما ناله من السرور بخلاصه من ذلك الأمر العظيم ولعظم شروره بظفره بأعدائه وبما أظهره من دين الله تعالى.
أما قوله تعالى :﴿وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فجعلناهم الأخسرين﴾ أي أرادوا أن يكيدوه فما كانوا إلا مغلوبين، غالبوه بالجدال فلقنه الله تعالى الحجة المبكتة، ثم عدلوا القوة والجبروت فنصره وقواه عليهم، ثم إنه سبحانه أتم النعمة عليه بأن نجاه ونجى لوطاً معه وهو ابن أخيه وهو لوط بن هاران إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين.
وفي الأخبار أن هذه الواقعة كانت في حدود بابل فنجاه الله تعالى من تلك البقعة إلى الأرض المباركة، ثم قيل : إنها مكة وقيل أرض الشام لقوله تعالى :﴿إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [ الإسراء : ١ ] والسبب في بركتها، أما في الدين فلأن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا منها وانتشرت شرائعهم وآثارهم الدينية فيها، وأما في الدنيا فلأن الله تعالى بارك فيها بكثرة الماء والشجر والثمر والخصب وطيب العيش، وقيل : ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس.
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (٧٢) ﴾


الصفحة التالية
Icon