اعلم أنه تعالى بعد ذكره لإنعامه على إبراهيم وعلى لوط بأن نجاهما إلى الأرض المباركة أتبعه بذكر غيره من النعم، وإنما جمع بينهما لأن في كون لوط معه مع ما كان بينهما من القرابة والشركة في النبوة مزيد إنعام، ثم إنه سبحانه ذكر النعم التي أفاضها على إبراهيم عليه السلام ثم النعم التي أفاضها على لوط، أما الأول فمن وجوه ؛ أحدها :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ واعلم أن النافلة العطية خاصة وكذلك النفل ويسمى الرجل الكثير العطايا نوفلاً، ثم للمفسرين ههنا قولان : الأول : أنه ههنا مصدر من وهبنا له مصدر من غير لفظه ولا فرق بين ذلك وبين قوله :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ هبة أي وهبناهما له عطية وفضلاً من غير أن يكون جزاء مستحقاً، وهذا قول مجاهد وعطاء.
والثاني : وهو قول أبي بن كعب وابن عباس وقتادة والفراء والزجاج : أن إبراهيم عليه السلام لما سأل الله ولداً قال :﴿رَبّ هَبْ لِي مِنَ الصالحين﴾ [ الصافات : ١٠٠ ] فأجاب الله دعاءه : ووهب له إسحق وأعطاه يعقوب من غير دعائه فكان ذلك :﴿نَافِلَةً﴾ كالشيء المتطوع به من الآدميين فكأنه قال :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق﴾ إجابة لدعائه : ووهبنا له يعقوب نافلة على ما سأل كالصلاة النافلة التي هي زيادة على الفرض وعلى هذا النافلة يعقوب خاصة.
والوجه الأول : أقرب لأنه تعالى جمع بينهما، ثم ذكر قوله :﴿نافلة﴾ فإذا صلح أن يكون وصفاً لهما فهو أولى.
النعمة الثانية : قوله تعالى :﴿وَكُلاًّ جَعَلْنَا صالحين﴾ أي وكلا من إبراهيم وإسحق ويعقوب أنبياء مرسلين، هذا قول الضحاك وقال آخرون عاملين بطاعة الله عز وجل مجتنبين محارمه.