وقال أبو السعود :
﴿ قَالُواْ ﴾ لما سمعوا مقالته عليه السلام استبعاداً لكون ما هم عليه ضلالاً وتعجباً من تضليله عليه السلام إياهم بطريق التوكيدِ القسمي، وتردداً في كون ذلك منه عليه السلام على وجه الجد ﴿ أَجِئْتَنَا بالحق ﴾ أي بالجِد ﴿ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين ﴾ فتقول ما تقول على وجه المداعبةِ والمزاحِ، وفي إيراد الشِّقِّ الأخير بالجملة الاسميةِ الدالة على الثبات إيذانٌ برُجْحانه عندهم. ﴿ قَالَ ﴾ عليه السلام إضراباً عما بنَوا عليه مقالتَهم من اعتقاد كونِها أرباباً لهم كما يُفصح عنه قولُهم : نعبدُ أصناماً فنظل لها عاكفين، كأنه قيل : ليس الأمر كذلك ﴿ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السموات والأرض الذى فطَرَهُنَّ ﴾ وقيل : هو إضرابٌ عن كونه لاعباً بإقامة البرهانِ على ما ادّعاه، وضميرُ هن للسموات والأرض، وصَفه تعالى بإيجادهن إثرَ وصفِه تعالى بربوبيته تعالى لهن تحقيقاً للحق وتنبيهاً على أن ما لا يكون كذلك بمعزل من الربوبية، أي أنشأهن بما فيهن من المخلوقات التي من جملتها أنتم وآباؤكم وما تعبدونه من غير مثال يَحتذيه ولا قانونٍ ينتحيه، ورجْعُ الضمير إلى التماثيل أدخلُ في تضليلهم وأظهرُ في إلزام الحجة عليهم لما فيه من التصريح المغني عن التأمل في كون ما يعبُدونه من جملة المخلوقات ﴿ وَأَنَاْ على ذلكم ﴾ الذي ذكرتُه من كون ربكم ربَّ السموات والأرض فقط دون ما عداه كائناً ما كان ﴿ مّنَ الشاهدين ﴾ أي العالِمين به على سبيل الحقيقةِ المُبرهنين عليه فإن الشاهدَ على الشيء مَنْ تحققه وحقّقه، وشهادتُه على ذلك إدلاؤه بالحجة عليه وإثباتُه بها، كأنه قال : وأنا أبين ذلك وأبرهن عليه ﴿ وتالله ﴾ وقرى بالباء وهو الأصلُ والتاء بدل من الواو التي هي بدل من الأصل وفيها تعجب ﴿ لاكِيدَنَّ أصنامكم ﴾ أي لأجتهدنّ في كسرها وفيه إيذانٌ بصعوبة الانتهاز وتوقّفِه على استعمال الحيل وإنما قاله عليه السلام سرًّا، وقيل : سمعه رجل واحد {


الصفحة التالية
Icon