فصل
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿قَالُواْ مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين﴾
أي [ أن ] من فعل هذا الكسر والحطم لشديد الظلم معدود في الظلمة إما لجراءته على الآلهة الحقيقة بالتوقير والإعظام، وإما لأنهم رأوا إفراطاً في كسرها وتمادياً في الاستهانة بها.
أما قوله تعالى :﴿قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
قال الزجاج : ارتفع إبراهيم على وجهين : أحدهما : على معنى يقال هو إبراهيم.
والثاني : على النداء على معنى يقال له يا إبراهيم، قال صاحب "الكشاف" والصحيح أنه فاعل يقال لأن المراد الاسم دون المسمى.
المسألة الثانية :
ظاهر الآية يدل على أن القائلين جماعة لا واحد، فكأنهم كانوا من قبل قد عرفوا منه وسمعوا ما يقوله في آلهتهم فغلب على قلوبهم أنه الفاعل ولو لم يكن إلا قوله ما هذه التماثيل إلى غير ذلك لكفى.
﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) ﴾
اعلم أن القوم لما شاهدوا كسر الأصنام، وقيل إن فاعله إبراهيم عليه السلام قالوا فيما بينهم :﴿فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ الناس﴾ قال صاحب "الكشاف" : على أعين الناس في محل الحال أي فأتوا به مشاهداً أي بمرأى منهم ومنظر.
فإن قلت : ما معنى الاستعلاء في على ؟ قلت : هو وارد على طريق المثل أي يثبت إتيانه في الأعين ثبات الراكب على المركوب.
أما قوله تعالى :﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ ففيه وجهان : أحدهما : أنهم كرهوا أن يأخذوه بغير بينة فأرادوا أن يجيئوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون عليه بما قاله فيكون حجة عليه بما فعل.
وهذا قول الحسن وقتادة والسدي وعطاء وابن عباس رضي الله عنهم.