الجواب : الصواب أنهما اختلفا والدليل إجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على ما رويناه، وأيضاً فقد قال الله تعالى :﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهدين﴾ ثم قال :﴿ففهمناها سليمان﴾ والفاء للتعقيب فوجب أن يكون ذلك الحكم سابقاً على هذا التفهيم، وذلك الحكم السابق إما أن يقال : اتفقا فيه أو اختلفا فيه، فإن اتفقا فيه لم يبق لقوله :﴿ففهمناها سليمان﴾ فائدة وإن اختلفا فيه فذلك هو المطلوب.
السؤال الثاني : سلمنا أنهما اختلفا في الحكم ولكن هل كان الحكمان صادرين عن النص أو عن الاجتهاد.
الجواب : الأمران جائزان عندنا وزعم الجبائي أنهما كانا صادرين عن النص، ثم إنه تارة يبني ذلك على أن الاجتهاد غير جائز من الأنبياء، وأخرى على أن الاجتهاد وإن كان جائزاً منهم في الجملة، ولكنه غير جائز في هذه المسألة.
أما المأخذ الأول : فقد تكلمنا فيه في الجملة في كتابنا المسمى بالمحصول في الأصول ولنذكر ههنا أصول الكلام من الطرفين احتج الجبائي على أن الاجتهاد غير جائز من الأنبياء عليهم السلام بأمور : أحدها : قوله تعالى :﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِى إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ﴾ [ يونس : ١٥ ] وقوله تعالى :﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى﴾ [ النجم : ٣ ].
وثانيها : أن الاجتهاد طريقه الظن وهو قادر على إدراكه يقيناً فلا يجوز مصيره إلى الظن كالمعاين للقبلة لا يجوز له أن يجتهد.
ثالثها : أن مخالفة الرسول توجب الكفر لقوله تعالى :﴿فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [ النساء : ٦٥ ] ومخالفة المظنون والمجتهدات لا توجب الكفر.
ورابعها : لو جاز أن يجتهد في الأحكام لكان لا يقف في شيء منها، ولما وقف في مسألة الظهار واللعان إلى ورود الوحي دل على أن الاجتهاد غير جائز عليه.