وخامسها : أن الاجتهاد إنما يجوز المصير إليه عند فقد النص، لكن فقدان النص في حق الرسول كالممتنع فوجب أن لا يجوز الاجتهاد منه.
وسادسها : لو جاز الاجتهاد من الرسول لجاز أيضاً من جبريل عليه السلام وحينئذ لا يحصل الأمان بأن هذه الشرائع التي جاء بها أهي من نصوص الله تعالى أو من اجتهاد جبريل ؟ والجواب عن الأول : أن قوله تعالى :
﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِى إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ﴾ [ يونس : ١٥ ] لا يدل على قولكم لأنه وارد في إبدال آية بآية لأنه عقيب قوله :﴿قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائت بِقُرْءانٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدّلْهُ﴾ [ يونس : ١٥ ] ولا مدخل للاجتهاد في ذلك.
وأما قوله تعالى :﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى﴾ [ النجم : ٣ ] فبعيد لأن من يجوز له الاجتهاد يقول إن الذي اجتهد فيه هو عن وحي على الجملة وإن لم يكن كذلك على التفصيل، وإن الآية واردة في الأداء عن الله تعالى لا في حكمه الذي يكون بالعقل.
والجواب عن الثاني : أن الله تعالى إذا قال له إذا غلب على ظنك كون الحكم معللاً في الأصل بكذا، ثم غلب على ظنك قيام ذلك المعنى في صورة أخرى فاحكم بذلك فههنا الحكم مقطوع به والظن غير واقع فيه بل في طريقه.
والجواب عن الثالث : أنا لا نسلم أن مخالفة المجتهدات جائزة مطلقاً بل جواز مخالفتها مشروط بصدورها عن غير المعصوم والدليل عليه أنه يجوز على الأمة أن يجمعوا اجتهاداً ثم يمتنع مخالفتهم وحال الرسول أوكد.
والجواب عن الرابع : لعله عليه السلام كان ممنوعاً من الاجتهاد في بعض الأنواع أو كان مأذوناً مطلقاً لكنه لم يظهر له في تلك الصورة وجه الاجتهاد، فلا جرم أنه توقف.
والجواب عن الخامس : لم لا يجوز أن يحبس النص عنه في بعض الصور فحينئذ يحصل شرط جواز الاجتهاد.


الصفحة التالية
Icon