والجواب عن السادس : أن هذا الاحتمال مدفوع باجماع الأمة على خلافه فهذا هو الجواب عن شبه المنكرين والذي يدل على جواز الاجتهاد عليهم وجوه : أحدها : أنه عليه السلام إذا غلب على ظنه أن الحكم في الأصل معلل بمعنى ثم علم أو ظن قيام ذلك المعنى في صورة أخرى فلا بد وأن يغلب على ظنه أن حكم الله تعالى في هذه الصورة مثل ما في الأصل، وعنده مقدمة يقينية وهي أن مخالفة حكم الله تعالى سبب لاستحقاق العقاب فيتولد من هاتين المقدمتين ظن استحقاق العقاب لمخالفة هذا الحكم المظنون.
وعند هذا، إما أن يقدم على الفعل والترك معاً وهو محال لاستحالة الجمع بين النقيضين.
أو يتركهما وهو محال لاستحالة الخلو عن النقيضين، أو يرجح المرجوح على الراجح وهو باطل ببديهة العقل، أو يرجح الراجح على المرجوح وذلك هو العمل بالقياس.
وهذه النكتة هي التي عليها التعويل في العمل بالقياس وهي قائمة أيضاً في حق الأنبياء عليهم السلام.
وهذا يتوجه على جواز الاجتهاد من جبريل عليه السلام.
وثانيها : قوله تعالى :﴿فاعتبروا﴾ أمر للكل بالإعتبار فوجب اندراج الرسول عليه السلام فيه لأنه إمام المعتبرين وأفضلهم.
وثالثها : أن الإستنباط أرفع درجات العلماء فوجب أن يكون للرسول فيه مدخل وإلا لكان كل واحد من آحاد المجتهدين أفضل منه في هذا الباب.
فإن قيل هذا إنما يلزم لو لم تكن درجة أعلى من الإعتبار، وليس الأمر كذلك، لأنه كان يستدرك الأحكام وحياً على سبيل اليقين، فكان أرفع درجة من الاجتهاد الذي ليس قصاراه إلا الظن.
قلنا : لا يمتنع أن لا يجد النص في بعض المواضع، فلو لم يتمكن من الاجتهاد لكان أقل درجة من المجتهد الذي يمكنه أن يعرف ذلك الحكم من الإجتهاد، وأيضاً قد بينا أن الله تعالى لما أمره بالإجتهاد كان ذلك مفيداً للقطع بالحكم.
ورابعها : قال عليه السلام :" العلماء ورثة الأنبياء " فوجب أن يثبت للأنبياء درجة الإجتهاد ليرث العلماء عنهم ذلك.