هذا تمام القول في هذه المسألة.
وخامسها : أنه تعالى قال :﴿عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ [ التوبة : ٤٣ ] فذاك الإذن إن كان بإذن الله تعالى استحال أن يقول : لم أذنت لهم، وإن كان بهوى النفس فهو غير جائز، وإن كان بالاجتهاد فهو المطلوب.
المأخذ الثاني : قال الجبائي : لو جوزنا الاجتهاد من الأنبياء عليهم السلام ففي هذه المسألة يجب أن لا يجوز لوجوه ؛ أحدها : أن الذي وصل إلى صاحب الزرع من در الماشية ومن منافعها مجهول المقدار، فكيف يجوز في الاجتهاد جعل أحدهما عوضاً عن الآخر.
وثانيها : أن اجتهاد داود عليه السلام إن كان صواباً لزم أن لا ينقض لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
وإن كان خطأ وجب أن يبين الله تعالى توبته كسائر ما حكاه عن الأنبياء عليهم السلام، فلما مدحهما بقوله :﴿وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً﴾ دل على أنه لم يقع الخطأ من داود.
وثالثها : لو حكم بالاجتهاد لكان الحاصل هناك ظناً لا علماً لأن الله تعالى قال :﴿وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ﴾.
ورابعها : كيف يجوز أن يكون عن اجتهاد من مع قوله :﴿ففهمناها سليمان ﴾.
والجواب عن الأول : أن الجهالة في القدر لا تمنع من الاجتهاد كالجعالات وحكم المصراة.
وعن الثاني : لعله كان خطأ من باب الصغائر.
وعن الثالث : بينا أن من تمسك بالقياس فالظن واقع في طريق إثبات الحكم فأما الحكم فمقطوع به.
وعن الرابع : أنه إذا تأمل واجتهد فأداه اجتهاده إلى ما ذكرنا كان الله تعالى فهمه من حيث بين له طريق ذلك.
فهذه جملة الكلام في بيان أنه لا يمتنع أن يكون اختلاف داود وسليمان عليهما السلام في ذلك الحكم إنما كان بسبب الاجتهاد.


الصفحة التالية
Icon