الجواب : أن وجه الاجتهاد فيه ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من أن داود عليه السلام قوم قدر الضرر بالكرم فكان مساوياً لقيمة الغنم فكان عنده أن الواجب في ذلك الضرر أن يزال بمثله من النفع فلا جرم سلم الغنم إلى المجنى عليه كما قال أبو حنيفة رحمه الله في العبد إذا جنى على النفس يدفعه المولى بذلك أو يفديه، وأما سليمان عليه السلام فإن اجتهاده أدى إلى أن يجب مقابلة الأصول بالأصول والزوائد بالزوائد، فأما مقابلة الأصول بالزوائد فغير جائز لأنه يقتضي الحيف والجور، ولعل منافع الغنم في تلك السنة كانت موازية لمنافع الكرم فحكم به، كما قال الشافعي رضي الله عنه : فيمن غصب عبداً فأبق من يده أنه يضمن القيمة لينتفع بها المغصوب منه بإزاء ما فوته الغاصب من منافع العبد فإذا ظهر ترادا.
السؤال الخامس : على تقدير أن ثبت قطعاً أن تلك المخالفة كانت مبنية على الاجتهاد، فهل تدل هذه القصة على أن المصيب واحد أو الكل مصيبون.
الجواب : أما القائلون بأن المصيب واحد ففيهم من استدل بقوله تعالى :﴿ففهمناها سليمان﴾ قال ولو كان الكل مصيباً لم يكن لتخصيص سليمان عليه السلام بهذا التفهيم فائدة، وأما القائلون بأن الكل مصيبون ففيهم من استدل بقوله :﴿وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً﴾ ولو كان المصيب واحداً ومخالفه مخطئاً لما صح أن يقال :﴿وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً﴾ واعلم أن الإستدلالين ضعيفان.
أما الأول : فلأن الله تعالى لم يقل إنه فهمه الصواب فيحتمل أنه فهمه الناسخ ولم يفهم ذلك داود عليه السلام لأنه لم يبلغه وكل واحد منهما مصيب فيما حكم به، على أن أكثر ما في الآية أنها دالة على أن داود وسليمان عليهما السلام ما كانامصيبين وذلك لا يوجب أن يكون الأمر كذلك في شرعنا.