أما قوله :﴿إِنّي كُنتُ مِنَ الظالمين﴾ فالمعنى ظلمت نفسي بفراري من قومي بغير إذنك، كأنه قال : كنت من الظالمين، وأنا الآن من التائبين النادمين، فاكشف عني المحنة، يدل عليه قوله :﴿فاستجبنا لَهُ﴾ وفيه وجه آخر وهو أنه عليه السلام وصفه بقوله :﴿لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ﴾ بكمال الربوبية ووصف نفسه بقوله :﴿إِنّي كُنتُ مِنَ الظالمين﴾ بضعف البشرية والقصور في أداء حق الربوبية، وهذا القدر يكفي في السؤال على ما قال المتنبي :
وفي النفس حاجات وفيك فطانة.. سكوتي كلام عندها وخطاب
وروى عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن النبي ﷺ قال :" لما أراد الله حبس يونس عليه السلام، أوحى إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحماً، ولا تكسر له عظماً " فأخذه وهوى به إلى أسفل البحر، فسمع يونس عليه السلام حساً، فقال في نفسه : ما هذا ؟ فأوحى الله إليه هذا تسبيح دواب البحر، قال فسبح، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا مثله.
أما قوله :﴿ونجيناه مِنَ الغم﴾ أي من غمه بسبب كونه في بطن الحوت، وبسبب خطيئته، وكما أنجينا يونس عليه السلام من كرب الحبس إذ دعانا : كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا.
روى سعد بن أبي وقاص عن النبي ﷺ قال :" دعوة ذي النون في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، ما دعا بها عبد مسلم قط وهو مكروب إلا استجاب الله دعاءه "
قال صاحب "الكشاف" : قرىء ننجي وننجي ونجى والنون لا تدغم في الجيم، ومن تمحل لصحته فجعله فعل وقال : نجى النجاء المؤمنين فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره، ونصب المؤمنين بالنجاء، فتعسف بارد التعسف. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٢ صـ ١٨٣ ـ ١٨٨﴾