وقيل : خرج ولم يكن نبياً في ذلك الوقت ولكن أمره ملك من ملوك بني إسرائيل أن يأتي نينوى ؛ ليدعو أهلها بأمر شعيا فأنف أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله، فخرج مغاضباً للملك ؛ فلما نجا من بطن الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم وآمنوا به.
وقال القشيري : والأظهر أن هذه المغاضبة كانت بعد إرسال الله تعالى إياه، وبعد رفع العذاب عن القوم بعد ما أظلهم ؛ فإنه كره رفع العذاب عنهم.
قلت : هذا أحسن ما قيل فيه على ما يأتي بيانه في "والصافات" إن شاء الله تعالى.
وقيل : إنه كان من أخلاق قومه قتل من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتل فغضب، وخرج فارّاً على وجهه حتى ركب في سفينة فسكنت ولم تجر.
فقال أهلها : أفيكم آبق؟ فقال : أنا هو.
وكان من قصته ما كان، وابتلي ببطن الحوت تمحيصاً من الصغيرة كما قال في أهل أحدٍ :﴿ حتى إِذَا فَشِلْتُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٢ ] إلى قوله :﴿ وَلِيُمَحِّصَ الله الذين آمَنُواْ ﴾ [ آل عمران : ١٤١ ] فمعاصي الأنبياء مغفورة، ولكن قد يجري تمحيص ويتضمن ذلك زجراً عن المعاودة.
وقول رابع : إنه لم يغاضب ربه، ولا قومه، ولا الملك، وأنه من قولهم غضب إذا أنف.
وفَاعَل قد يكون من واحد ؛ فالمعنى أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف عنهم العذاب، فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك فخرج آبقاً.
وينشد هذا البيت :
وأغضب أن تُهجى تميم بدارم...
أي آنف.
وهذا فيه نظر ؛ فإنه يقال لصاحب هذا القول : إن تلك المغاضبة وإن كانت من الأنفة، فالأنفة لا بد أن يخالطها الغضب وذلك الغضب وإن دق على من كان؟! وأنت تقول لم يغضب على ربه ولا على قومه!
قوله تعالى :﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فنادى فِي الظلمات ﴾ قيل : معناه استزله إبليس ووقع في ظنه إمكان ألا يقدر الله عليه بمعاقبته.
وهذا قول مردود مرغوب عنه ؛ لأنه كفر.
روي عن سعيد بن جبير حكاه عنه المهدوي، والثعلبي عن الحسن.


الصفحة التالية
Icon