قلت : وهذان التأويلان تأولهما العلماء في قول الرجل الذي لم يعمل خيراً قط لأهله إذا مات فحرقوه :"فوالله لئن قدر الله علي" الحديث فعلى التأويل الأوّل يكون تقديره : والله لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزاني على ذنوبي ليكونن ذلك، ثم أمر أن يحرق بإفراط خوفه.
وعلى التأويل الثاني : أي لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين غيري.
وحديثه خرجه الأئمة في الموطأ وغيره.
والرجل كان مؤمنا موحداً.
وقد جاء في بعض طرقه "لم يعمل خيراً إلا التوحيد" وقد قال حين قال الله تعالى : لم فعلت هذا؟ قال : من خشيتك يا رب.
والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق ؛ قال الله تعالى :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾.
وقد قيل : إن معنى ﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ الاستفهام وتقديره : أفظن ؛ فحذف ألف الاستفهام إيجازاً ؛ وهو قول سليمان ( أبو ) المعتمر.
وحكى القاضى منذر بن سعيد : أن بعضهم قرأ "أفظن" بالألف.
قوله تعالى :﴿ فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾ فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ اختلف العلماء في جمع الظلمات ما المراد به، فقالت فرقة منهم ابن عباس وقتادة : ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت.


الصفحة التالية
Icon