وقرأ ابن عامر "نُجِّي" بنون واحدة وجيم مشدّدة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر أي وكذلك نُجّي النجاءُ المؤمنين ؛ كما تقول : ضُرِب زيداً بمعنى ضُرِب الضربُ زيداً وأنشد :
ولو وَلَدتْ قُفَيْرةُ جرو كَلْبٍ...
لَسُبَّ بذلك الجروِ الكلابَا
أراد لَسُبّ السبُّ بذلك الجرو.
وسكنت ياؤه على لغة من يقول بَقِي ورَضِي فلا يحرك الياء.
وقرأ الحسن ﴿ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا ﴾ [ البقرة : ٢٧٨ ] استثقالاً لتحريك ياء قبلها كسرة.
وأنشد :
خَمَّر الشّيبُ لِمَّتِي تَخْمِيرَا...
وَحَدَا بي إلى القُبور البعِيرَا
ليتَ شِعْري إذا القيامةُ قامتْ...
ودُعِي بالحسابِ أين المصيرَا
سكن الياء في دعي استثقالاً لتحريكها وقبلها كسرة وفاعل حدا المشيب ؛ أي وحدا المشيبُ البعير ؛ ليت شعري المصير أين هو.
هذا تأويل الفراء وأبي عبيد وثعلب في تصويب هذه القراءة.
وخطأها أبو حاتم والزجاج وقالوا : هو لحن ؛ لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله ؛ وإنما يقال : نُجِّي المؤمنون.
كما يقال : كُرِّم الصالحون.
ولا يجوز ضُرِب زيداً بمعنى ضُرِب الضَّربُ زيداً ؛ لأنه لا فائدة ( فيه ) إذ كان ضُرِب يدل على الضرب.
ولا يجوز أن يحتج بمثل ذلك البيت على كتاب الله تعالى.
ولأبي عبيد قول آخر وقاله القتبي وهو أنه أدغم النون في الجيم.
النحاس : وهذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين ؛ لبعد مخرج النون من مخرج الجيم فلا تدغم فيها، ولا يجوز في "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ" "مَجَّاءَ بِالْحَسَنَةِ" قال النحاس : ولم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من عليّ بن سليمان.
قال : الأصل ننجي فحذف إحدى النونين ؛ لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين ؛ لاجتماعهما نحو قوله عز وجل :"وَلاَ تَفَرَّقُوا" والأصل تتفرقوا.
وقرأ محمد بن السَّمَيقع وأبو العالية "وَكَذَلِكَ نَجَّى الْمُوْمِنِينَ" أي نجى الله المؤمنين ؛ وهي حسنة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١١ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon