وقال أبو حيان :
﴿ وَذَا النون ﴾
وانتصب ﴿ مغاضباً ﴾ على الحال.
فقيل : معناه غضبان وهو من المفاعلة التي لا تقتضي اشتراكاً، نحو : عاقبت اللص وسافرت.
وقيل ﴿ مغاضباً ﴾ لقومه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه فأوعدهم بالعذاب، ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج.
وقيل ﴿ مغاضباً ﴾ للملك حزقيا حين عينه لغزو ملك كان قد عاب في بني إسرائيل فقال له يونس : آلله أمرك بإخراجي؟ قال : لا، قال فهل سماني لك؟ قال : لا، قال ههنا غيري من الأنبياء، فألح عليه فخرج ﴿ مغاضباً ﴾ للملك.
وقول من قال ﴿ مغاضباً ﴾ لربه وحكى في المغاضبة لربه كيفيات يجب اطّراحه إذ لا يناسب شيء منها منصب النبوة، وينبغي أن يتأول لمن قال ذلك من العلماء كالحسن والشعبي وابن جبير وغيرهم من التابعين، وابن مسعود من الصحابة بأن يكون معنى قولهم ﴿ مغاضباً ﴾ لربه أي لأجل ربه ودينه، واللام لام العلة لا اللام الموصلة للمفعول به.
وقرأ أبو شرف مغضباً اسم مفعول.
﴿ فظن أن لن نقدر عليه ﴾ أي نضيق عليه من القدر لا من القدرة، وقيل : من القدرة بمعنى ﴿ أن لن نقدّر عليه ﴾ الابتلاء.
وقرأ الجمهور ﴿ نقدر ﴾ بنون العظمة مخففاً.
وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب بضم الياء وفتح الدال مخففاً، وعيسى والحسن بالياء مفتوحة وكسر الدال، وعليّ بن أبي طالب واليماني بضم الياء وفتح القاف والدال مشددة، والزهري بالنون مضمومة وفتح القاف وكسر الدال مشددة.
﴿ فنادى في الظلمات ﴾ في الكلام جمل محذوفة قد أوضحت في سورة والصافات، وهناك نذكر قصته إن شاء الله تعالى وجمع ﴿ الظلمات ﴾ لشدة تكاثفها فكأنها ظلمة مع ظلمة.
وقيل : ظلمات بطن الحوت والبحر والليل.
وقيل : ابتلع حوته حوت آخر فصار في ظلمتي بطنَي الحوتين وظلمة البحر.