وجاء عن أنس مرفوعاً أنه عليه السلام حين دعا بذلك أقبلت دعوته تحف بالعرش فقالت الملائكة عليهم السلام : هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة فقال الله تعالى : أما تعرفون ذلك؟ قالوا : يا رب ومن هو؟ قال : ذاك عبدي يونس قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة يا رب أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء قال : بلى فأمر الحوت فطرحه وذلك قوله تعالى :﴿ ونجيناه مِنَ الغم ﴾ أي الذي ناله حين التقمه الحوت بأن قذفه إلى الساحل بعد ساعات قال الشعبي : التقمه ضحى ولفظه عشية، وعن قتادة أنه بقي في بطنه ثلاثة أيام وهو الذي زعمته اليهود، وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه بقي سبعة أيام.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي مالك أنه بقي أربعين يوماً، وقيل المراد بالغم غم الخطيئة وما تقدم أظهر، ولم يقل جل شأنه فنجيناه كما قال تعالى في قصة أيوب عليه السلام ﴿ فكشفنا ﴾ [ الأنبياء : ٨٤ ] قال بعض الأجلة لأنه دعا بالخلاص من الضر فالكشف المذكور يترتب على استجابته ويونس عليه السلام لم يدع فلم يوجد وجه الترتيب في استجابته.
ورد بأن الفاء في قصة أيوب عليه السلام تفسيرية والعطف هنا أيضاً تفسيري والتفنن طريقة مسلوكة في البلاغة، ثم لا نسلم أن يونس عليه السلام لم يدع ولو لم يكن منه دعاء لم تتحقق الاستجابة اه.
وتعقبه الخفاجي بأنه لا محصل له، وكونه تفسيراً لا يدفع السؤال لأن حاصله لم أتى بالفاء ثمت ولم يؤت بها هنا؟ فالظاهر أن يقال : إن الأول دعاء بكشف الضر على وجه التلطف فلما أجمل في الاستجابة وكان السؤال بطريق الإيماء ناسب أن يؤتى بالفاء التفصيلية، وأما هنا فلما هاجر عليه السلام من غير أمر كان ذلك ذنباً بالنسبة إليه عليه السلام كما أشر إليه بقوله :


الصفحة التالية
Icon