ولما نادى ربه متضرّعاً إليه وصفه بغاية الرحمة فقال :﴿ وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين ﴾ فأخبر الله سبحانه باستجابته لدعائه، فقال :﴿ فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ ﴾ أي شفاه الله مما كان به وأعاضه بما ذهب عليه، ولهذا قال سبحانه :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قيل : تركهم الله عزّ وجلّ له، وأعطاه مثلهم في الدنيا.
قال النحاس : والإسناد بذلك صحيح، وقد كان مات أهله جميعاً إلا امرأته، فأحياهم الله في أقلّ من طرف البصر، وآتاه مثلهم معهم.
وقيل : كان ذلك بأن ولد له ضعف الذين أماتهم الله، فيكون معنى الآية على هذا : آتيناه مثل أهله ومثلهم معهم، وانتصاب ﴿ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا ﴾ على العلة أي آتيناه ذلك لرحمتنا له ﴿ وذكرى للعابدين ﴾ أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر.
واختلف في مدّة إقامته على البلاء : فقيل : سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ليال.
وقيل : ثلاثين سنة.
وقيل : ثماني عشرة سنة.
﴿ وإسماعيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل ﴾ أي واذكر هؤلاء، وإدريس هو أخنوخ، وذا الكفل : إلياس.
وقيل : يوشع بن نون.
وقيل : زكريا.
والصحيح أنه رجل من بني إسرائيل كان لا يتورّع عن شيء من المعاصي، فتاب فغفر الله له.
وقيل : إن اليسع لما كبر قال : من يتكفل لي بكذا وكذا من خصال الخير حتى أستخلفه؟ فقال رجل : أنا، فاستخلفه وسمي ذا الكفل.
وقيل : كان رجلاً يتكفل بشأن كل إنسان إذا وقع في شيء من المهمات، وقيل غير ذلك.
وقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس بنبيّ.
وقال جماعة : هو نبيّ.
ثم وصف الله سبحانه هؤلاء بالصبر فقال :﴿ كُلٌّ مّنَ الصابرين ﴾ أي كل واحد من هؤلاء من الصابرين على القيام بما كلفهم الله به.


الصفحة التالية
Icon