﴿ وأدخلناهم فِى رَحْمَتِنَا ﴾ أي في الجنة، أو في النبوّة، أو في الخير على عمومه، ثم علل ذلك بقوله :﴿ إِنَّهُمْ مّنَ الصالحين ﴾ أي : الكاملين في الصلاح ﴿ وَذَا النون ﴾ أي واذكر ذا النون، وهو يونس بن متى، ولقب ذا النون لابتلاع الحوت له.
فإن النون من أسماء الحوت، وقيل : سمي ذا النون لأنه رأى صبياً مليحاً فقال : دسموا نونته، لئلا تصيبه العين.
وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي أن نونة الصبيّ هي الثقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومعنى دسموا سوّدوا ﴿ إِذ ذَّهَبَ مغاضبا ﴾ أي اذكر ذا النون وقت ذهابه مغاضباً، أي مراغماً.
قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير : ذهب مغاضباً لربه، واختاره ابن جرير والقتيبي والمهدوي.
وحكى عن ابن مسعود : قال النحاس : وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة، وهو قول صحيح.
والمعنى : مغاضباً من أجل ربه، كما تقول غضبت لك، أي من أجلك.
وقال الضحاك : ذهب مغاضباً لقومه، وحكي عن ابن عباس.
وقالت فرقة منهم الأخفش : إنما خرج مغاضباً للملك الذي كان في وقته واسمه حزقيا وقيل : لم يغاضب ربه ولا قومه ولا الملك، ولكنه مأخوذ من غضب إذا أنف، وذلك أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف الله عنهم العذاب فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك فخرج عنهم، ومن استعمال الغضب في هذا المعنى قول الشاعر :
وأغضب أن تهجى تميم بعامر... أي آنف ﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ قرأ الجمهور ﴿ نقدر ﴾ بفتح النون وكسر الدال.
واختلف في معنى الآية على هذه القراءة.
فقيل : معناها : أنه وقع في ظنه أن الله تعالى لا يقدر على معاقبته.
وقد حكي هذا القول عن الحسن وسعيد بن جبير، وهو قول مردود، فإن هذا الظنّ بالله كفر ؛ ومثل ذلك لا يقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.